محاضرات أخلاقية في حسينية الإمام الرضا عليه السلام
شیخ الدقاق

81 - آفة العجب وحب الإطراء

محاضرات أخلاقية في حسينية الإمام الرضا عليه السلام

  • الكتاب: محاضرات أخلاقية في حسينية الإمام الرضا عليه السلام
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    200

08

2025 | يونيو

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

آفة العجب وحب الإطراء

جاء في الرواية الشريفة عن سيدنا وإمامنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: "إياك والإعجاب بنفسك، والثقة بما يعجبك منها، وحب الإطراء؛ فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان" صدق سيدنا أسد الله الغالب علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه.

الحديث عن "آفة العجب وحب الإطراء"، هذه الآفة من أقوى الفرص التي تجعل الشيطان يتمكن من الإنسان، ونحن في نهاية العام الدراسي، طالب العلم إما أن يوفَّق في دراسته وإما أن يكون العام الماضي ليس موفقًا. فإن لم يُوفَّق وحصلت إخفاقات في عامه الدراسي المنصرم، ينبغي عليه أن يعيد النظر وأن يعيد الحسابات، أن يجلس مع نفسه جلسة المحاسب البصير. كما رأيت بعض أصحاب الدكاكين والحوانيت بعد الساعة الحادية عشرة ينزل مظلة الدكان إلى النصف ويخرج دفتر الحسابات ويجرد الحسابات: اليوم ربحنا أو خسرنا.

كان أحد الدكاكين من جيراننا، فقلت له: أإلى هذه الدرجة أنت متعلق بالدنيا؟ كل يوم تجرد الحساب؟ قال: يا شيخ، كيف أعرف أنا ربحت أو خسرت؟ لابد يوميًا من جرد الحسابات، التجارة ربح وخسارة.

وفعلًا بعد مدة أغلق الدكان لأنه اكتشف أنه في خسارة ولم يكن في ربح.

قلت في نفسي: يا فلان، هذا بالنسبة إلى دنياه يوميًا عند حساب وكتاب، أنت بالنسبة إلى أخراك لماذا لا يكون عندك يوميًا حساب وكتاب؟! كما يقول الإمام الكاظم عليه السلام: "ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم".

الحساب بالنسبة إلى عدم اقتراف الذنوب، بالنسبة إلى الإقبال على الطاعات، وأيضًا بالنسبة إلى التحصيل العلمي. أنت تسترزق من بيت المال وتأكل من أموال الإمام عليه السلام، ينبغي أن تحاسب نفسك: هل أنت مجدٌّ في دروسك أم لا؟ هل أنت مهذِّب لنفسك أم لا؟ هل تدرس عند أساتذة أقوياء ومحصلين أم لا؟ هل تدرس في مدرسة قوية أم لا؟ العمر ينصرم.

ذاك يبيع الثلج ويصرخ: ثلج! ثلج! قال له أحدهم: ما بك تصرخ؟ قال: أخشى أن تخرج الشمس، فإن خرجت الشمس ذاب رأس مالي وذهب الثلج. أنت رأس مالك عمرك المبارك.

أرى العمر في صرف الزمان يبيد ويذهب لكن لا أراه يعود.

للأسف أكثر الناس عندهم حرص على أموالهم ولا يوجد عندهم حرص على أعمارهم. المال يروح ويجيء، العمر يروح ما يجيء. أنت قد تخسر المال والله عز وجل يعوِّضك بأحسن العوض. نحن الآن نقول: فلان عمره خمسون سنة، ستون سنة، سبعون سنة، هو في الحقيقة عمره ناقص خمسين سنة، ناقص ستين سنة، ناقص سبعين سنة، يعني الله قدَّر له أن يعيش ثمانين سنة، إذا وصل سبعين يعني بقي من عمره عشر سنوات. يعني كل ما يكبر يصغر، يعني كل ما تقدم في السن نقص من رأس مال عمره الذي أعطاه الله عز وجل.

لذلك طالب العلم في نهاية العام الدراسي ينبغي أن يقف من نفسه موقف المحاسب البصير، فإن وجد تقصيرًا عليه أن يتلافى ذلك التقصير وأن يأخذ بالأسباب، وأن يسأل الله عز وجل أن يوفقه لتلافي التقصير.

وما نيل الأماني بالتمني ولكن تأخذ الدنيا غلابًا.

يا أخي، مجرد أتمنى العام الماضي أتلافى هذا التقصير ما يتغير الواقع، يتغير الواقع بالتخطيط والاستمرار في العمل، الواقع لا يتغير بالشعارات والتمنيات، الواقع يتغير بالتخطيط والعمل الدؤوب والمستمر.

جيد، هذا إذا كان عندك تقصير.

أحيانًا لله الحمد عنده توفيق، عنده ذكاء، عنده تفوق، قطع الدروس بشوط سريع، أصبح مدرسًا مشهورًا لامعًا يُشار إليه بالبنان، ويُطرى عليه كثيرًا، يقال: ما شاء الله! أنتم عمد من أعمدة الحوزة العلمية، أنت أستاذ ماهر وبارع، صاحب دقة وعمق، صاحب بيان، أنت من دون وجودك الحوزة العلمية قد تصاب بالخلل، وهكذا من عبارات الإطراء التي قد تغرق الممدوح في جحيم العُجب.

هذه مشكلة، مشكلة عظيمة. 

نحن اليوم نعيش ذكرى رحيل السيد الإمام الخميني رضوان الله عليه، ولا بأس أن أذكر لكم خاطرة تتعلق بهذا الموضوع من حياته المباركة، أيام الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية في إيران التي استمرت ثماني سنوات، في أواخر هذه الحرب أشيع وانتشر أن السيد الإمام الخميني قد يعلن الجهاد العام والنفير العام، بحيث يوجب الجهاد والقتال على جميع أبناء الشعب الإيراني وعلى الجميع.

في ذلك الوقت، ذهب أستاذنا الأخلاقي الكبير سماحة آية الله المجاهد الشيخ علي المشكيني رحمه الله (رئيس مجلس الخبراء وإمام جمعة قم) مع جمع من العلماء إلى الإمام الخميني رضوان الله عليه، والتقى به في حسينية جماران بطهران. 

الشيخ المشكيني خاطب الإمام الخميني بعدة ألقاب فاخرة، وقال في كلامه مستدلًا بالآية الكريمة: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} (هذا خطاب إسماعيل ذبيح الله لنبينا إبراهيم خليل الله). فماذا كانت ردة فعل الإمام الخميني رضوان الله عليه؟ 

والشيخ المشكيني – كما ينقل هذه الحادثة أستاذنا المعظم المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد كاظم الحسيني الحائري – يقول: "أنا أعتقد أن الشيخ المشكيني من الأبدال" (يعني لم يكن الشيخ المشكيني واحدًا عاديًا، بل من أهل الله، من أهل السير والسلوك). 

السيد الإمام الخميني رضوان الله عليه عاتب الشيخ المشكيني وقال: "لا تخاطبني بمثل هذا الخطاب، أنا لدي نفس، والنفس الأمارة بالسوء قد تزين لي ما تزين، فلا تخاطبني بهذا الخطاب حتى لا أطغى". ثم قال: "نحن نأمل أن نكون إنسانًا آدميًا". ثم قال: "أنا بالنسبة لي جيد إذا عملتُ بظواهر الشريعة". 

لاحظ كيف الإنسان يربي نفسه! لاحظ كيف يؤثر حب الإطراء في النفس الإنسانية!

للأسف أحيانًا طالب العلم يبتلى بهذا: "نحن بحمد الله كتبنا كذا كتاب، وطبعنا كذا كتاب، وخرجنا كذا طالب، وأسسنا كذا وكذا، وعملنا كذا وكذا"، وما تدري أن الشيطان يعمل عليك كذا وكذا! 

للأسف بعض الشعوب ترى أن مدح الشخص أمام الآخرين من حقوقه، يعني إذا كنتَ مديرًا أو رئيسًا وأردتَ أن تعطي هذا المسؤول حقه، يرون أن تمدحه أمام بقية العاملين والعمال، وإذا ما مدحته أنت بخستَ حقه! هذا موجود، أنا مختلط مع مختلف الدول، بعض الدول يرى أن هذا حقه، إذا أنت ما مدحته وما نعته أمام العاملين، أنت بخست حقه، ما أعطيته حقه! والحال أن الروايات الشريفة تقول: "احثوا التراب في وجه المادحين، فمن مدحك ذبحك". 

لكن بعضهم يستأنسون مثل كان بعض الطلبة في بعض المدارس، أستاذ من إحدى الدول العربية يعرف أن هذا يمدحك، فيقول له: "والله كلام حلو، إذا عندك زيادة أيضًا جِيبْ"! يحب يمدحه! إذن هذه آفة. 

في الختام أقول: أكثر الناس بين آفتين: 

1. بين آفة العجب: من أنعم الله عليه، هذا عرض للإصابة بالعجب والكبر والخيلاء والاعتداء بالنفس. 

2. وبين آفة الحسد: من حرمه الله نعمة من النعم، هذا عرضه للحسد والحقد. 

مثلاً: شخص الله أنعم عليه بأموال، أنعم عليه بأولاد، أنعم عليه بعقارات، بتجارات، بذكاء، بعلم، بمقام اجتماعي، هذا إذا ما يلتفت إلى نفسه قد يصاب بالعجب، بالكبر، بالخيلاء، بالاعتداء بالنفس، بالترفع على الناس، باستصغار الناس، باستحقار من هو أدنى منه. 

والعكس: إذا شخص ما عنده ذكاء، ما عنده أموال، ما عنده أولاد، ما عنده أملاك، ما عنده أي شيء، ويشوف ذاك عنده أموال، عنده أولاد، عنده مقام اجتماعي، عنده ما شاء الله، هنا قد يبتلى بالحسد، يتمنى زوال نعمة ذلك المؤمن. 

لذلك أكثر الناس بين آفتي العجب والحسد، بل هذه الآفات هي أول الآفات التي نشأت مع الإنسان منذ أن خلق الله آدم عليه السلام والبشرية. 

سؤال: ما هو أول ذنب وأول آفة نشأت منذ خلق الله آدم؟ 

الجواب: 

1. أول آفة: الكبر، حيث تكبر إبليس على نبينا آدم وأبينا آدم فقال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}. 

2. ثاني آفة: الحرص، حيث حرص آدم وحواء على الأكل من الشجرة. 

3. ثالث آفة: الحسد، حيث حسد قابيل أخاه هابيل فقتله. 

إذن يا أخي، الكبر والحسد من أقدم الآفات منذ نشأة البشرية ومن عليها. 

بعد ذلك، أكثر الناس بحاجة إلى خصلتين للتغلب على هاتين الآفتين: 

1. الخصلة الأولى: الشكر (من أنعم الله عليه ينبغي عليه أن يشكر). 

2. الخصلة الثانية: الصبر (من حرمه الله من النعمة ينبغي عليه أن يصبر). 

من حُرِم النعمة إذا صبر وفوَّض أمره إلى الله عز وجل، الله عز وجل يجتبيه ويُبعده عن الحقد والحسد والضغينة. وكذلك من رزقه الله وأنعم الله عليه فشكر، فإن الله عز وجل يُنقذه من براثن الكبر والعجب والغرور. 

فعليكم بدوام هذه الأشياء: 

- الرواية: "من أُعطي الدعاء أُعطي الإجابة، ومن أُعطي الشكر أُعطي الزيادة، ومن أُعطي القناعة أُعطي الكفاية". 

1. دوام الدعاء فيه ضمان للإجابة. 

2. دوام الشكر فيه ضمان للزيادة والاستمرار. 

3. دوام القناعة فيه دوام الكفاية، والقناعة كنز لا يفنى ولا ينفذ. 

رزقنا الله وإياكم ثقافة الدعاء، وثقافة الشكر، وثقافة القناعة، ووفقنا لمحاسبة أنفسنا، وأبعدنا عن العجب وحب الإطراء. 

ترى الشيطان يتغلغل، يتمكن منك يا أخي! أحيانًا أنت إذا مدحوك يمكن ترفع يديك تقول: "يكفي، هذا يكفي!" لكن في قرارة نفسك أنت تحب يمدحونك! لا بد أن تلتفت إلى نفسك، جيد أنت في قرارة نفسك، حتى لو نهيتهم، أنت تحب يمدحونك! لو كنتَ تكره أن يمدحوك، هذا مهم جدًا! 

هذه الأمور البسيطة: أمير المؤمنين عليه السلام خرج فمشى خلفه قومه، فالتفت إليهم فقال: "ألكم حاجة؟" قالوا: "لا"، فقال: "إذن انصرفوا، فإن مشي الماشي خلف الراكب مفسدة للراكب ومذلة للماشي". 

لا تفسد نفسك! أتحب يمدحونك؟ أتحب يمشون معك؟ أتحب يطرونك ويمدحونك؟ وفيه هلاكك وذبحك! 

اللهم نبهنا من نومة الغافلين، واجعلنا من الذاكرين، برحمتك يا أرحم الراحمين. وصل اللهم على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين

00:00

08

2025
| يونيو
جلسات أخرى من هذه الدورة 81 الجلسة

08

يونيو | 2025
  • الكتاب: محاضرات أخلاقية في حسينية الإمام الرضا عليه السلام
  • الجزء

    01

  • 200

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
81 الجلسة