محاضرات أخلاقية في حسينية الإمام الرضا عليه السلام
شیخ الدقاق

80 - السعادة الزوجية

محاضرات أخلاقية في حسينية الإمام الرضا عليه السلام

  • الكتاب: محاضرات أخلاقية في حسينية الإمام الرضا عليه السلام
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    200

01

2025 | يونيو

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

السعادة الزوجية

 

قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم وخطابه المجيد: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾، آمنا بالله، صدق الله العلي العظيم. 

في الأول من ذي الحجة، ذكرى زواج علي بفاطمة، ذكرى التقاء النورين: فاطمة صلوات الله وسلامه عليها، برزخ ملتقى نور النبوة ونور الإمامة، وبهذه المناسبة نتحدث عن السعادة الزوجية.

سؤال يطرح نفسه: ما هو سر السعادة الزوجية؟ ما هي الخطوة التي إن توفرت عليها الأسرة أصبحت أسرة ناجحة ومثالية؟ ما هو مفتاح السعادة الزوجية؟ هذا السؤال ليس فقط لمن سيقبل على الزواج، بل يحتاجه حتى من أنجب الأولاد والأحفاد، ربما لا يلتفت إلى أهم عنصر يحقق السعادة الزوجية. فما هو مفتاح المفاتيح للسعادة الزوجية؟ 

في المحاضرة السابقة، تكلمنا عن مفتاح المفاتيح للنجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، هذه الليلة نتكلم عن مفتاح المفاتيح (ماستر كي) للحياة الزوجية.

أجيبوني في كلمة واحدة: ما هي هذه الكلمة؟ ما هي هذه الخطوة التي إن توفرت في الزوج والزوجة حققت السعادة الزوجية؟ هل تجاوبون أم أجاوبكم؟ إذا تجاوبون، أنا أستقبل الإجابات. 

الاهتمام... اهتمام الزوج بالزوجة، واهتمام الزوجة بالزوج.

سؤال آخر: ماذا يريد الزوج من الزوجة؟ وماذا تريد الزوجة من الزوج حتى يتحقق الاهتمام؟ إذ الاهتمام فرع المعرفة. إذا كان الزوج لا يعرف ماذا تريد منه الزوجة، والزوجة لا تعرف ماذا يريد منها الزوج، فكيف يهتم بها؟ كيف يهتم الزوج باحتياجات الزوجة؟ كيف تهتم الزوجة باحتياجات الزوج إذا كانت جاهلة بها، أو كان جاهلًا باحتياجات الزوجة؟ 

سؤال يطرح نفسه: ماذا يريد الزوج من الزوجة؟ هل تقدرون أن تجاوبون؟ وماذا تريد الزوجة من الزوج؟ كلمة واحدة. أحدهم قال: الحب، لكن كيف يتحقق الحب؟ كيف يتحقق التعاون؟ حتى تعرفون أن هذه أمور مفروض أنها بديهية، لكن الكثير من العوائل تفتقدها. 

عملوا إحصائية في ماليزيا، وصلت نسبة الطلاق إلى قرابة 70%. فعملوا دورات في الحياة الزوجية وألزموا المتزوجين: لا يُعقد عقد شرعي وقانوني إلا بعد اجتياز دورة العلاقات الأسرية، فانخفضت نسبة الطلاق إلى قرابة 5%. 

الزوج يريد الاحترام، والزوجة تريد الأمان. إلى الآن أخذنا عدة مفردات: 

1. الاهتمام يحقق الأمان للزوجة. 

2. الاهتمام يحقق الاحترام للزوج. 

الزوجة تريد الأمان، تريد الاستقرار، أن تشعر أن عندها رجلًا وسندًا يقف إلى جانبها في مختلف ظروف الحياة، عندها رجل تعتمد عليه. لذلك، أخطر شيء في الحياة الزوجية أن يدخل الرجل إلى الحياة الزوجية بعقلية العزوبية، يعني تعود في شبابه وهو عزوبي: يسهر مع الشباب، يتأخر في الليل، ويقول لزوجته: "اتعودي، الحال واحد" هذا خطأ! الزوجة تريد منك الأمان والاستقرار، أن تهتم بها، أن تشعر بها. 

بعضهم يقول: "أنا أصرف عليها، أعطيها فلوسًا" الحياة ليست كلها فلوس! أنت لا تشتريها، هي تحتاج إلى عناية، تحتاج إلى اهتمام، تحتاج إلى من يقف معها في السراء والضراء. الزوجة ما تحب زوجها إلا لما تشوف مواقفه معاها، لذلك يتعمق الحب مع مرور الزمن، كلما تلاحمت واجتمعت المواقف البطولية للرجل ووقوفه مع المرأة، فهي لا تنسى ذلك طول عمرها. 

الرجل الذي يحقق للمرأة الأمان، ليس الأمان بالكلام، بل بالمواقف، تشعر المرأة أنها في حصن، كيف الإنسان الذي يخاف يلجأ إلى حصن؟ إذا لجأ إلى الحصن شعر بالأمان والاستقرار كذلك المرأة، المرأة تحتاج إلى الحصن الحصين، أنت أيها الزوج الحصن الحصين!

بعضهم إذا مرضت زوجته وقالت: "أريد أن أذهب إلى المستشفى"، يقول لها: "أنت تدللي!" متى تحتاجك الزوجة؟ عند المحنة! إذا كانت مريضة، عندها مشكلة، ألم بها شيء، تريد أن تشعر بالأمان والاستقرار، أنت باهتمامك بزوجتك تحقق لها الأمان. 

والزوج يريد الأمان؟ لا، الزوج يريد الاحترام. الزوج عنده كبرياء، حتى لو كان ضعيفًا، حتى لو كان أضعف من زوجته، حذاري حذاري أيها الزوجة! بعض الزوجات تعير زوجها: "راتبي أعلى من راتبك، أنا أجيب فلوس أكثر منك!" حتى لو كان هذا واقعًا، إذا عيرته ينجرح، الزوج ينجرح! كبرياؤه ما تستقر الحياة الزوجية. 

من أخطر الأمور أن ترفع الزوجة صوتها على صوت زوجها، تصارخ عليه، ترفع صوتها عليه، ينجرح هذا الزوج، أحيانًا الزوجة تقول لزوجها: "الله يلعن اليوم الذي أخذتك فيه! أنا غلطت غلطة في حياتي يوم ما وافقت عليك!" هذا جرح مؤلم، هذا خط أحمر! هذا الكلام لا يقال للزوج. 

لما الزوجة تهتم بزوجها ماديًا ومعنويًا: تغسل ثيابه، تطهو له الطعام، تحترمه في الكلام، تجعله الحصن الحصين والسند والمستند، هذا الزوج إذا وعى واجباته حقيقة، سيجزل لها العطاء. 

إذن، سر السعادة الزوجية يكمن في الاهتمام، وينبغي أن يتركز اهتمام الزوج بما يحقق للزوجة الأمان، وينبغي أن يتركز اهتمام الزوجة بما يحقق للرجل الاحترام، إذا ساد الاهتمام والأمان والاحترام، فحتما يتحقق الحب، وما أدراك ما الحب والمودة! لذلك الحب عملية تراكمية. العجوز يأنس بعجوزه ويراها أجمل من الكثير من الشابات، بينهم عشرة، بينهم مواقف. 

قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾. هذه المودة والرحمة تتعمق بالاهتمام والاحترام، بالاهتمام الذي يولد الأمان. 

نقطة أخيرة ونختم بها: في المحادثات العرفية، إذا أردت أن تعقد صفقة أو تتكلم مع أحد، أهم نقطة هي أن تعرف تفكير الطرف المخاطب، إذا ما عرفت تفكير الطرف المخاطب، أنت أمام واقع مجهول. 

إذا أردت أن تسعد زوجتك، لا بد أن تعرف اهتمامات الزوجة: تهتم بيوم عيد ميلادها، تقدم لها هدية، يوم ذكرى عيد زواجكم تقدم لها هدية، المرأة تحب عنصر المفاجأة وإبراز الاهتمام، وهكذا ينبغي للزوجة أن تعي واقع الرجل. 

وبعبارة أخرى: لا بد أن يتعامل الرجل مع المرأة كامرأة لا كرجل، ولا بد أن تتعامل المرأة مع الرجل كرجل لا كامرأة.

المرأة سمعية، تحب تسمع الكلام الحلو: "يا حلوة، كلامك لبق!" تعلم كيف تصف الكلام، والرجل بصري، يحب يشوف البيت نظيف، يحب يشوف الطبخ جميل، يحب يشوف المرأة لابسة ومتأنقة له، فالرجل بصري، والمرأة سمعية. 

كذلك المرأة لمسية انفعالية هرمونية، يعني إذا انغضبت وصارت بركانًا، إذا تلمس يدها وتحضنها، ينخمد البركان، إذا واجهتها غضبان وهي غضبى، بدأت حرب "داحس والغبراء"، أنت غضبان وهي غضبى، يدخل الشيطان، وأنت غضبان وهي غضبى، الستار! نتيجة الحرب؟ إلى أن تصل... لذلك لا تواجه الزوجة لحظة غضبها، خصوصًا قرب الدورة الشهرية، الهرمونات تؤثر على الزوجة. 

كيف تهتم بزوجتك وأنت ما تعرف أن المرأة هرمونية، وأن المرأة لمسية؟ الفنان بعضهم يدخل، أول ما يدخل الزوجة غاضبة منفعلة، بكم لحظة يخليها تضحك! لأنه يفهم، يعرف يتعامل مع الزوجة، يعرف كيف يمتص الغضب، يعرف أن هذه امرأة عاطفية لمسية، يعني اللمس يؤثر عليها، يدك تمسك يدها، كما في الروايات: "إذا غضبت فمس ذراعها، فإن مس الذراع يهدئ الغضب". 

المرأة تصرخ لأنها ما تشعر بالأمان، متى تهدأ؟ إذا شعرت بالأمان، أنت متى تصير فنانًا؟ إذا عرفت دائمًا كيف تحقق الأمان للزوجة والمرأة إذا اضطربت وانفعلت، حضنتها، قبلها، لمسها، أعطاها الكلام الحلو، تهدأ مباشرة.

إذن هذا الاهتمام ليس بمجرد كلام، بل فرع المعرفة، تعرف كيف تتعامل مع الزوجة. 

وكذلك المرأة، لا بد أن تفقه الرجل، الرجل الجانب العقلي يغلب عليه، لذلك يا أختي إذا اختلفتِ مع زوجك، لا تناقشيه نقاشًا عقليًا تحقيقيًا، إذا قلتِ له كذا وقال لك كذا، هذا يغلق باب الأسرة من الآن، يفتح عليكم أبواب جهنم! خصوصًا لحظة الانفعال، لا تناقشي المرأة، لا تواجهها عند انفعالها، لا تناقشيها نقاشًا عقليًا، بل حاولي أن تكسبيها، أن تجتذيها. 

الفنان في حياته الأسرية هو الذي يفهم الزوجة تمام المعرفة، بعض الأسر الزوج قبل ما يتكلم، الزوجة فاهمة: "أجيب لك شاي؟" الآن تريد كذا، فاهمة، كذلك الزوجة قبل ما تتكلم، الزوج يفهمها. 

الحياة الزوجية السعيدة المليئة بالرحمة والعاطفة والحنان، نتيجة الاهتمام المولد للأمان والمولد للاحترام. 

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، إنه غفور رحيم وتواب حليم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين

00:00

01

2025
| يونيو
جلسات أخرى من هذه الدورة 81 الجلسة

01

يونيو | 2025
  • الكتاب: محاضرات أخلاقية في حسينية الإمام الرضا عليه السلام
  • الجزء

    01

  • 200

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
81 الجلسة