خارج الفقه (الجهاد)
شیخ الدقاق

93 - حكم المبارزة إذا ندب الإمام لها أو ألزم بها

خارج الفقه (الجهاد)

  • الكتاب: كتاب الجهاد
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    -

27

2025 | مايو

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

حكم المبارزة إذا ندب الإمام لها أو ألزم بها

 

حكم المبارزة إذا ندب الإمام لها أو ألزم بها، الإمام المعصوم عليه السلام: إما أن يندب إلى المبارزة، وإما أن يلزم بها، فإذا ندب لها ودعا إليها، استُحِبَّت المبارزة كفايةً أو عينًا إذا لم يكن هناك أمرٌ جازمٌ من المعصوم عليه السلام. 

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «مَن يُبَارِزُ عُمَرَ (أي: عمرو بن عبد ودّ)، وأنا أَضْمَنُ له على الله الجنة؟» فقال علي عليه السلام: «أنا له يا رسول الله» ثلاث مرات. فقال له النبي صلى الله عليه وآله: «اجلِسْ يا علي»، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله بعد أن لم ينهض أحد: «بَرَزَ الإسلامُ كُلُّهُ إلى الشِّركِ كُلِّهِ»، فلما قتل علي عليه السلام عمرَ بنَ عبدِ ودّ العامري، قال صلى الله عليه وآله: «لَبَرْدَةُ عليٍّ يومَ الخندق تَعدِلُ عَمَلَ الثَّقَلَيْنِ إلى يوم القيامة». 

هنا النبي صلى الله عليه وآله لم يُلزِم الإمام عليًا عليه السلام، ولم يُلزِم أيَّ أحدٍ، بل ندب لها، أحيانًا يلزم بها شخصًا أو جماعةً، أو يُلزِم على العموم، مثل أن يُلزِم بمبارزة عمرو، فهنا تجب المبارزة على نحو الكفاية. إذن، تجب المبارزة كفايةً أو عينًا إذا ألزم بها الإمام المعصوم عليه السلام، بلا خلاف في شيء من ذلك، كما في: 

- «جواهر الكلام» (ج22، ص154). 

- «رياض المسائل» (ج8، ص81). 

ولا إشكال في ذلك بعد معلومية وجوب طاعة النبي أو الإمام المعصوم عليه السلام. بل قال العلامة في «المنتهى»: «لو خرج عِلْجٌ يطلب البراز، استُحِبَّ لمن فيه قوةٌ ويعلم من نفسه الطاقةُ لمبارزته بإذن الإمام عليه السلام، ويستحب للإمام أن يأذن له». («منتهى المطلب» ج14، ص102-103). 

قال ابن الأثير في «النهاية» (ج3، ص286) في باب «عِلْجُه»: «العِلْجُ: الرجل القوي الضخم». وقال الطريحي في «مجمع البحرين» (ج2، ص319) في باب «عِلْجُه»: «الرجل الضخم من كفار العجم»، وبعضهم يطلقه على الكافر مطلقًا. إذن، «العِلْجُ» و«العِلُّوجُ» يُراد به الرجل الضخم من الكفار والأعاجم. 

ثم قال العلامة الحلي في «المنتهى» مع نصه: «إذا ثبت هذا، فالمبارزة تنقسم أقسامًا أربعة: واجبة، ومستحبة، ومكروهة، ومباحة. فالواجبة إذا ألزم الإمام بها، والمستحبة أن يخرج المشرك فيطلب المبارزة، فيستحب لذي القوة من المسلمين الخروج إليه. والمكروهة أن يخرج الضعيف من المسلمين الذي لا يعلم من نفسه المقاومة، فيُكره له المبارزة لما فيه من كسر قلوب المسلمين بقتله ظاهرًا. والمباحة أن يخرج ابتداءً فيُبارِز». 

ثم قال: «لا يُقال: إن الضعيف قد جُوِّز له الدخول في القتال من غير كراهة، فكيف كره له المبارزة؟ لأن الجواب: الفرق بينهما ظاهر؛ فإن المسلم هنا يطلب الشهادة، ولا نترقب منه الغلبة، بخلاف المبارزة فإنه يُطلب منه الظفر والغلبة، فإذا قُتِلَ كان ذلك كسرًا في المسلمين».

(«منتهى المطلب» ج14، ص112-113). 

وقال العلامة في «القواعد»: «لو طلبها مشركٌ، استُحِبَّ الخروج إليه للقوي الواثق من نفسه بالنُّهوض».

(«قواعد الأحكام» ج1، ص486). 

 

وعلَّق المحقق الثاني الشيخ علي الكركي على كلام العلامة في «القواعد» قائلًا: «لكن بإذن الإمام؛ فيستحب له –أي: يستأذنه– ويستحب للإمام أن يأذن له، فتجيء فيه الأحكام الأربعة».

(«جامع المقاصد» ج3، ص387). 

أقول: من الواضح أن المبارزة تشملها الأحكام الخمسة، فقد تكون واجبةً، أو مستحبةً، أو محرمةً، أو مكروهةً، أو مباحةً. وقد أشار إلى أقسامها الخمسة العلامة الحلي في «تحرير الأحكام» (ج2، ص144-145)، وعلَّق صاحب «الجواهر» عليها بأن هذا هو المتجه. 

ففي هذه الأحكام الأربعة التي ذكرها العلامة في «المنتهى» لم يشر إلى المحرَّمة، والحال أن المبارزة تُحرَّم إذا منع الإمام المعصوم عليه السلام منها، فتكون حرامًا على المبارز. وقد ظهر من النصوص السابقة عدم اشتراط إذن الإمام في الخروج إلى مَن طلب المبارزة؛ لأن مَن طلب المبارزة بعينه فهو مَغلوب. 

قال في «القواعد»: «تُحرَم المبارزة على الضعيف» على إشكالٍ.

(«قواعد الأحكام» ج1، ص486). 

وقيل في وجه الإشكال: من قوله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ (البقرة: 195)، ومن عموم الخطاب بالقتال.

(«إيضاح الفوائد» لابن العلامة الحلي ج1، ص359). 

ومن الواضح أن الوجه الأول –وهو التمسك بالآية– وجهٌ لتحريم المبارزة، لكنه وجه ضعيف؛ لأن المبارزة طلبٌ للشهادة، وليس إلقاءً للنفس في التهلكة، حتى لو كان ضعيفًا، بل هذا طلبٌ للشهادة. ومن الواضح أن عموم الخطاب بالقتال يشمل حتى الضعيف. ومن هنا يتأمل في ثبوت الكراهة لمبارزة الضعيف الذي قد لا يقوى على الانتصار؛ فإنه إذا برز مشركون وطلبوا المبارزة، فإن الخطاب بالقتال يشمل حتى الضعيف. لذلك يتأمل في ثبوت الكراهة له، إلا إذا أدى نهوضه ومبارزته إلى انكسار جيش الإسلام، فحينئذٍ تثبت الحرمة لعنوان ثانوي. 

وقال المحقق الكركي في «جامع المقاصد» بالنسبة إلى مبارزة الضعيف: «إن الأولى تارك». ثم قال: «وإن قيل: هل الإشكال مع الإذن أو بدونه؟ الأول مشكل؛ لأنه مع الإذن كيف يُحرَّم أو يُكرَه؟ وهل يأذن الإمام في الحرام؟ قلنا: يُحتمل أن يأذن الإمام ولا يعلم حال المستأذن، فيكون التحريم أو الكراهة على المستأذن باعتبار ما يعلم من نفسه. أو يُقال: الحكم في ذلك بدون الإذن، فيكون الحال مترددًا بين التحريم والكراهة».

(«جامع المقاصد» ج3، ص387-388). 

لكن قد يتأمل فيه: إذ كيف يأذن الإمام عليه السلام لرجل ضعيف ولا يعلم حاله؟ فهذا الكلام مخدوش، فإذا ثبت الإذن من المعصوم عليه السلام، ارتفعت الكراهة، فضلًا عن الحرمة، وجاز للضعيف أن يقاتل. 

هذا تمام الكلام في أصل المبارزة. 

فرعان: 

ذكر المحقق الحلي في «شرائع الإسلام» فرعين: 

1. إذا طلب المشرك المبارزة ولم يشترط عدم الإعانة، جاز للمسلمين معونة قرينه المسلم –أي: صاحبه– كما في: 

   - «قواعد الأحكام» (ج1، ص487). 

   - «تحرير الأحكام» (ج2، ص145). 

   - «مختلف الشيعة» للعلامة الحلي (ج4، ص395). 

والوجه في ذلك: شمول عموم أدلة قتل المشركين حيث وُجِدوا، كما في الآية: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ (التوبة: 5)، وقوله تعالى: ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ (البقرة: 191). 

إلى هذا يرجع ما ذكره الشهيد الأول في «الدروس الشرعية»: «لو نكل المبارز عن قرينه، جازت الإعانة، إلا مع شرط عدمها». وأبطل ابن الجنيد شرط عدم المعاونة.

(«دروس الشرعية» ج2، ص33). 

وحُكي عن ابن الجنيد أنه قال: «إذا خرج جماعة إلى جماعة، ولم يقع بينهم شرطٌ على أن كل واحد لواحد لا يُعِين، كان لبعضهم إعانة بعضٍ على صاحبه قبل الفراغ من صاحبه». نقله العلامة في «مختلف الشيعة»

(كيفية الجهاد، ج4، ص395). 

أقول: لا إشكال في الحكم المذكور، إلا إذا كانت هناك عادةٌ تقوم مقام الشرط، كما لو جرت العادة في المبارزة ألا يُعين أحدٌ أحدًا، فهنا لا تجوز المعاونة. وإلا، فتجوز المعاونة في المبارزة، إلا إذا اشترط الكافر ألا يتدخل أحدٌ، وأن يكون وحده مع هذا المسلم. 

وقد أومأ إلى كون العادة تقوم مقام الشرط العلامة الحلي في «المنتهى» في نظير المسألة، قال: «لو خرج المشرك طالبًا للبراز، جاز لأحدٍ رميه وقتله؛ لأنه مشركٌ لا أمان له ولا عهد، إلا أن تكون العادة جاريةً بينهم أن مَن خرج يطلب المبارزة لا يُتعرض له، فيجري ذلك مجرى الشرط».

(«منتهى المطلب» ج14، ص103). 

لأن الإخلال بالشرط هنا كالغدر، وإذا شرط المقاتل الكافر ألا يقاتله غيره، وجب الوفاء له، كما في:  - «قواعد الأحكام» (ج1، ص486). 

- «تحرير الأحكام» (ج2، ص145). 

- «مختلف الشيعة» (ج4، ص395)، إذا قال: "وكلا القولين محتمل". 

وقال صاحب الجواهر: "بل لا أجد فيه خلافًا إلا ما يحكى عن ابن الجنيد من أنه إن تشارط أن لا يُعِين أحدٌ على أحدٍ، كان هذا الشرط باطلاً؛ لأن الله تعالى ألزم المؤمنين بالدفاع عن المؤمنين ممن يريد البغي عليهم". وقال النبي صلى الله عليه وآله: "المؤمنون يدٌ على من سواهم". 

- بحار الأنوار (ج58، ص150). 

- المصنف لعبد الرزاق (ج10، ص99). 

- التمهيد لابن عبد البر (ج21، ص188). 

- سنن أبي داود (ج2، ص374، حديث 4535). 

- كنز العمال للمتقي الهندي (ج11، ص327، حديث 31647). 

- سنن النسائي (ج4، ص270). 

- معرفة السنن والآثار (ج6، ص266، حديث 4979). 

وناقش صاحب الجواهر كلام ابن الجنيد قائلًا: "وفيه أن ذلك مخصوص بغير صورة الشرط في الفارض الذي هو كالأمان للكافر على هذا الوجه، فلا يجوز نقضه". أي أن هذا العموم يُخصَّص بما دل على أن المؤمنين عند شروطهم. 

نعم، إن فرَّ المسلم فطلبه الكافر الحربي، جاز دفعه عنه، كما في: 

- قواعد الأحكام للعلامة الحلي (ج1، ص486). 

- تحرير الأحكام (ج2، ص145). 

- منتهى المطلب (ج14، ص104). 

- مختلف الشيعة (ج4، ص395). 

والوجه في ذلك: انقضاء القتال المشروط؛ إذ الاشتراط عند المبارزة أن لا يشترك معه غيره. لكن إذا فرَّ المسلم من المبارزة والقتال، فحينئذٍ انقضى القتال المشروط فيه، والأمان للكافر ما دام القتال. فيجوز حينئذٍ الدفاع عن المسلم. 

ولو شرط المشرك أن لا يُقاتَل حتى يرجع إلى صفه، ففي "المنتهى" للعلامة ما نصه: "وجب الوفاء له، إلا أن يترك المسلم قتاله، أو يُثْخَنَ بالجراح فيرجع فيتبعه ليقتله، أو يُخشى عليه فيُمْنَع ويُدْفَع عن المسلم ويُقاتَل إن امتنع من الكف؛ لأنه نقض الشرط وأبطل أمانه".

(منتهى المطلب ج14، ص114). 

وقال العلامة في "التحرير" ما نصه: "لو انهزم تاركًا للقتال، أو مُثْخَنًا بالجراح، جاز قتال المشرك، إلا أن يشترط أن لا يُقاتَل حتى يرجع إلى فئته، فيجب الوفاء له، إلا أن يترك المسلم أو يُثْخَنه بالجراح فيتبعه ليقتله، أو يُخشى عليه منه فيُمْنَع ويُدْفَع عن المسلم، فإن امتنع قوتل، ولو أعان المشركون صاحبهم، كان على المسلمين إعانة صاحبهم ويقاتلون من أعان عليه".

(تحرير الأحكام ج2، ص145). 

الخلاصة: 

المؤمنون عند شروطهم، إذا اشترط أن لا يُبارَز حتى يرجع، فلا يُبارَز حتى يرجع، لكن هذا مشروط بالقتال، فلو هرب المسلم أو أُثْخِن بالجراح وابتعد عن المعركة، وأجهز عليه الكافر، حينئذٍ يجوز التدخل للدفاع عن المسلم؛ لفوات محل الشرط عند المبارزة. 

قال العلامة الحلي في "المنتهى" و"التحرير": "ولا يُقاتَلونه؛ لأنه ليس النقض من جهته". 

- منتهى المطلب (ج14، ص114). 

- تحرير الأحكام (ج2، ص145). 

ويعلق صاحب الجواهر رحمه الله قائلًا: "وما في رواية الجمهور من أن عليًا عليه السلام وحمزة أعانا عبيدة بن الحارث على قتل شيبة بن ربيعة حين أُثْخِن عبيدة بالجراح، قضية في واقعة لم يُحْكَ فيها الشرط". 

- كشاف القناع (ج2، ص79). 

- المغني لابن قدامة (ج10، ص396). 

- الشرح الكبير (ج10، ص446). 

- تفسير السمرقندي (ج2، ص9). 

فإن حمزة قتل عتبة، وأمير المؤمنين قتل من بارزه، لكن عبيدة بن الحارث –ابن عم الإمام علي، والحارث هو الأخ الأكبر لحمزة وأبي طالب والد الإمام علي– لم يستطع قتل شيبة بن ربيعة، فتدخل حمزة والإمام علي وقتلا شيبة، ثم استشهد عبيدة بعد ذلك إذ كان مُثْخَنًا بالجراح. هنا لم يتكلم التاريخ أنه اشترط أن لا يتدخل غيره، ولو حُمِل على الشرط، قيل: هذه قضية في واقعة يُرَدُّ علمها إليهم صلوات الله عليهم. 

فلو فرَّ المسلم ولم يطلبه الحربي، لم تجز محاربة الحربي؛ لأن الحربي لم ينقض شرطًا. 

الفرع الثاني: 

لو شرط أن لا يُقابله غير قرينه، فاستنجد أصحابه، فقد نقض أمانه، وإن تبرعوا فمنعهم، فهو في عهدة شرطه، وإن لم يمنعهم، جاز قتاله معهم، كما في "القواعد"؛ لأن المفروض كون ذلك منهم باستنجاده.

(قواعد الأحكام ج1، ص487). 

وفي "التحرير": فإن كان قد شرط أن لا يُقاتله غير مبارزه، وجَبَ الوفاء. فإن استنجد أصحابه فأعانوه، فقد نقض ويُقتَل معهم. ولو منعهم فلم يمتنعوا، فأمانه باقٍ، ويُقاتَل أصحابه. ولو سكت عن نهيهم عن المعاونة، نقض أمانه. ولو استنجد، جاز قتاله مطلقًا.

(تحرير الأحكام ج2، ص445). 

والمراد بالوفاء بالشرط هنا ما يرجع خلافه إلى الغدر؛ يعني يكفي أن يسكت –أي أصحابه يجيئون يعاونونه وهو يسكت– فهذا غدرٌ. هذه مخالفة للشرط، وليس المراد مخالفة الشرط خصوص التصريح بنقض الشرط. 

هذا تمام الكلام في كيفية القتال. 

الطرف الثالث: في الذمام والأمان. 

هذا بحث طويل نرجعه إلى العام المقبل إن بقينا أحياء، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

00:00

27

2025
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 93 الجلسة

27

مايو | 2025
  • الكتاب: كتاب الجهاد
  • الجزء

    01

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
93 الجلسة