خارج الفقه (الجهاد)
شیخ الدقاق

92 - كراهة المبارزة بغير إذن الإمام المعصوم

خارج الفقه (الجهاد)

  • الكتاب: كتاب الجهاد
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    -

25

2025 | مايو

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

كراهة المبارزة بغير إذن الإمام المعصوم عليه السلام

هل تجوز المبارزة للكافر بدون إذن إمام عليه السلام؟ قولان في المسألة، الأول ما ذهب إليه المشهور وهو الصحيح، وهو الكراهة، الثاني الحرمة، وسيتضح إن شاء الله تعالى من خلال البحث أن الصحيح ما ذهب إليه المشهور. 

تفصيل المسألة: 

ذهب إليه كرَاهةُالمبارزة بغير إذن الإمام عليه السلام: 

- الشهيد الأول في "اللمعة الدمشقية" صفحة سبعة وثمانين. 

- "الدروس الشرعية" الجزء الثاني صفحة ثلاثة وثلاثين. 

- العلامة الحلي في "إرشاد الأذهان" الجزء الأول صفحة ثلاثمائة وأربعة وأربعين. 

- "رفع القواعد" في "قواعد الأحكام" الجزء الأول صفحة أربعمائة وستة وثمانين. 

- "تحرير الأحكام" الجزء الثاني صفحة مائة وأربعة وأربعين. 

- "مختلف الشيعة" الجزء الرابع صفحة ثلاثمائة وخمسة وتسعين. 

- الفاضل المقداد السيوري في "التنقيح الرائع" الجزء الأول صفحة خمسمائة وثلاثة وثمانين. 

- الشهيد الثاني في "الروضة البهية" الجزء الثاني صفحة ثلاثمائة وخمسة وتسعين. 

- "مسالك الأفهام" الجزء الثالث صفحة سبعة وعشرين. 

- الشيخ الطوسي في "المبسوط" الجزء الأول صفحة خمسمائة وخمسة وخمسين. 

- المحقق الكركي في "جامع المقاصد" الجزء الثالث صفحة ثلاثمائة وسبعة وثمانين. 

- المحقق الأردبيلي في "مجمع الفائدة والبرهان" الجزء السابع صفحة أربعمائة وأربعة وخمسين. 

- "معالم الدين" لابن قطان الجزء الأول صفحة مائتين وتسعة وثمانين. 

فقد ذهب هؤلاء الأعلام إلى كراهة المبارزة بغير إذن الإمام المعصوم عليه السلام. والمراد طلب المبارزة بدون إذنه، وليس المراد الجواب إلى المبارزة من طالبها بدون إذن المعصوم. والمستفاد من النصوص ورواياته هو المعنى الأول: أي طلب المبارزة بدون إذن المعصوم. 

ويظهر من الروايات خلاف المعنى الثاني، وهو جواب المبارزة إذا طلبها المشرك، وسنقرأ جملة من روايات مفادها أن طلب المبارزة جورٌ، فإذا طلبها الكافر أجبه وستغلبه؛ لأنه جائر، والجائر مغلوب، لكن لا تطلب المبارزة ابتداءً. 

ففي خبر ابن القداح عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دعا رجل بعض بني هاشم إلى البراز فأبى أن يبارزه، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: "ما منعك أن تبارزه؟" فقال: كان فارس العرب وخشيت أن يقتلني. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: "فإنه بغى عليك، ولو بارزته لغلبته، ولو بغى جبل على جبل لهد الباغي". 

وقال أبو عبد الله عليه السلام – كما في رواية الكافي – والحسن بن علي – كما في رواية تهذيب الأحكام – إن الحسن بن علي عليهما السلام دعا رجلاً إلى المبارزة، فعلم به أمير المؤمنين فقال: "لئن عدت إلى مثل هذا لأعاقبنك، ولئن دعاك أحد إلى مثلها فلم تجبه لأعاقبنك، أما علمت أنه بغي؟" يعني: طلب المبارزة بغي، يعني ظلم وطغيان. 

- الكافي للكليني ج5 ص34. 

- تهذيب الأحكام ج6 ص169. 

- وسائل الشيعة ج15 ص90، باب 31 من أبواب جهاد العدو، الحديث الثاني. 

وفي نهج البلاغة قال أمير المؤمنين عليه السلام لابنه الحسن: "لا تدعون إلى مبارزة، وإن دُعيت إليها فأجب، فإن الداعي باغٍ، والباغي مصروع". 

- نهج البلاغة حكم 233 ص509. 

- وسائل الشيعة ج15، ص90، باب 31 من أبواب جهاد العدو، الحديث الثاني. 

وفي خبر تهذيب الأحكام عن عمر بن جميع، رفعه إلى أمير المؤمنين: سُئل عن المبارزة بين الصفين بغير إذن الإمام، فقال: "لا بأس، ولكن لا يُطلب إلا بإذن الإمام". 

ونفس هذا الخبر ورد في الكافي للكليني بهذا السند: عمر بن جميع عن أبي عبد الله، لكن جاء فيه: "بعد إذن الإمام" بدل "بغير إذن الإمام". 

- الكافي للكليني ج5 ص34. 

- تهذيب الأحكام ج6 ص169. 

- وسائل الشيعة ج15 ص89، باب 31 من أبواب جهاد العدو، الحديث الأول. 

ولعله لهذا الخبر قال الشيخ الطوسي في النهاية: "لا بأس بالمبارزة بين الصفين في حال القتال، ولا يجوز له أن يطلب المبارزة إلا بإذن الإمام". 

- النهاية للشيخ الطوسي ج2 ص80. 

ونحوه عن ابن إدريس الحلي في السرائر ج2 ص8. 

القول الثاني: حرمة طلب المبارزة بدون إذن الإمام عليه السلام. 

وهذا يعلم من كلام الشيخ الطوسي في النهاية وابن إدريس الحلي في السرائر. 

وفي الكافي لأبي الصلاح الحلبي هذا النص: "لا يجوز للمسلم أن يستبرز كافراً إلا بإذن سلطان الجهاد". 

- الكافي في الفقيه، ص256. 

وقال العلامة الحلي في المنتهى: "وهل طلب المبارزة من دون إذنه حرام أو مكروه؟ فيهما قولان من كلام الشيخ. والذي تدل عليه الأخبار التحريم". 

- منتهى المطلب ج14 ص122. 

وقال المحقق الكركي: "الأصح الكراهة، ويحرم طلبها لما ورد من النهي عنه وأنه بغي". 

- جامع المقاصد ج3 ص387. 

وظاهر كلام المحقق الكركي كراهة المبارزة في غير صورة طلب الكافر، بل ربما يقال: إن الكراهة في غير صورة الطلب هي الظاهر من القائلين بجواز المبارزة بغير إذن. 

وقال السيد طباطبائي في الرياض: "يدل على رجحان الاستئذان، مضافاً إلى الانتصار والوفاق، الاعتبار والاستظهار بأن الإمام عليه السلام أعلم بفرسانه وفرسان المشركين، ومن يصلح للمبارزة ومن لا يصلح، وربما حصل ضرر بذلك، فينبغي أن يفوض النظر إليه ليكون أقرب إلى الظاهر وأحفظ لقلوب المسلمين". 

- رياض المسائل ج8 ص81. 

وربما يؤيد لزوم الاستئذان من المعصوم عليه السلام، كما في "المنتهى" إذ استدل بما رواه الجمهور والعام من أن علياً عليه السلام وعمه حمزة وابن عمه عبيد بن الحارث استأذنوا النبي صلى الله عليه وآله يوم بدر إذ برز هؤلاء الثلاثة لعتبه وشيبة. 

- منتهى المطلب ج14 ص111. 

- سنن البيهقي ج9 ص130. 

- المغني لابن قدامة ج10 ص394. 

- شرح الكبير ج10 ص443. 

وهنا يعقب صاحب الجواهر في "جواهر الكلام" ج22 ص152 قائلاً: 

"قد سمعت ما في النصوص السابقة من الأمر بها بعد دعاء إليها من غير استئذان، والنهي عن طلبها إلا أنه غير صالح لتخصيص أدلة الجهاد والأمر بالمقاتلة ونحوهما لضعف السند وإعراض المشهور، ولذا حُمل على الكراهة. نعم، تحرم إذا مُنعت منها بلا خلاف ولا إشكال". 

- رياض المسائل للسيد الطباطبائي ج8 ص81. 

أقول: دلت الأدلة على لزوم كون القتال بإذن الإمام عليه السلام، فالجهاد الابتدائي مشروط بإذن المعصوم عليه السلام، فلا شك في اشتراط إذن المعصوم في أصل مشروعية الجهاد والقتال، لكن لم ينهض دليل معتبر على لزوم أخذ إذن المعصوم عليه السلام في المبارزة والمقاتلة الجزئية في المعركة بعد أصل إحراز مشروعية القتال.

والنصوص الدالة –أو التي قد يُستدل بها– على ذلك ضعيفة السند، فيُحمل النهي فيها على الكراهة، ولا يُحمل على النهي والتحريم، بل إن من لم تنهض عنده النصوص ربما لا يحمل النهي على الكراهة، بل يرى جواز المبارزة بدون إذن المعصوم عليه السلام بعد إحراز مشروعية القتال. 

وإلى هذا مال سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي رحمه الله في "منهاج الصالحين" (الجزء الأول، بعداً صفحة ٣٧٢، مسألة ٨ من كتاب الجهاد)، قال: 

"المشهور كراهة طلب المبارزة في الحرب بغير إذن الإمام عليه السلام، وقيل: يُحرَّم، وفيه إشكال. والأظهر جواز طلبها إذا كان أصل الجهاد مشروعاً". 

وكلام السيد الخوئي رحمه الله موافق لمشهور الفقهاء فلا إشكال في أصل مشروعية المبارزة في الجملة، بل في "إيضاح الفوائد" دعوى الإجماع على ذلك. 

- إيضاح الفوائد لفخر المحققين ابن العلامة الحلي (الجزء الأول صفحة ٣٨٥). 

وقال العلامة الحلي في "المنتهى": 

"المبارزة مشروعة غير مكروهة في قول عامة أهل العلم، إلا الحسن البصري فإنه لم يعرفها وكرهها". 

- منتهى المطلب (الجزء الرابع صفحة ١٨٨). 

وكلام الحسن البصري ليس بتامٍ لما ذكرنا، ولما رواه العامَّة أيضاً من أن علياً عليه السلام بارز يوم خيبر مرحباً فقتله. 

- (الجزء الأول صفحة ٣٩٤). 

وارتجَّ زمير المؤمنين فقال: 

"أنا الذي سمتني أمي حيدرة!" فارتعد مرحبٌ، إذ أخبر بأن الذي سيقتله اسمه حيدرة. 

وبارز أمير المؤمنين عمرو بن عبد ود العامري (عبد ود: لأن "ود" صنم من الأصنام، فهو عمرو بن عبد الصنم –ودٍ–) فقتله أمير المؤمنين، كما في: 

- سنن البيهقي (الجزء التاسع صفحة ١٣٠). 

- المغني لابن قدامة (الجزء العاشر صفحة ٣٩٤). 

- الشرح الكبير (الجزء العاشر صفحة ٤٣٤). 

كما أن أمير المؤمنين عليه السلام بارز هو وحمزة وعبيد بن الحارث يوم بدر بإذن النبي صلى الله عليه وآله. 

وأيضاً روى الجمهور أن بشير بن علقمة بارز أسواراً فقتله، فبلغ سَلَبُه اثني عشر ألفاً. 

- المغني لابن قدامة (الجزء العاشر صفحة ٣٩٤). 

- سنن البيهقي (الجزء التاسع صفحة ١٣٠). 

- شرح معاني الآثار (الجزء الثالث صفحة ٢٤٣). 

- الأم للشافعي (الجزء السابع صفحة ٣٦٤). 

- معرفة السنن والآثار (الجزء الخامس صفحة ١٢٢). 

ولو يزل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله تقع منهم المبارزة –إذا كانت مكروهة– هذا كان أصلًا متعارفاً في قتال العرب. 

وإنه كان أبو ذر يقسم أن قوله تعالى: 

{هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا} [سورة الحج: ١٩]  نزلت في الذين تبارزوا يوم بدر، وهم حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث. 

- صحيح البخاري (الجزء الخامس صفحة ٧٧). 

- سنن ابن ماجه (الجزء الثاني صفحة ٩٣٦). 

- صحيح مسلم (الجزء الثاني صفحة ٢٦٦). 

- فضائل الصحابة لابن حنبل (صفحة ٧٥). 

- المستدرك للحاكم النيسابوري (الجزء الثالث صفحة ٣٦٨). 

- المغني لابن قدامة (الجزء العاشر صفحة ٣٩٤). 

- الشرح الكبير (الجزء العاشر صفحة ٤٣٤). 

كما رووا أن أبا قتادة قال: "بارزت رجلاً يوم خيبر فقتلته"، (طبعاً في بعض المصادر: "يوم حنين فقتلته.") 

- المغني لابن قدامة (الجزء العاشر صفحة ٣٩٤). 

- الشرح الكبير (الجزء العاشر صفحة ٤٤٤). 

- المصنف لعبد الرزاق (الجزء الخامس صفحة ٢٣٦). 

- عمدة القاري في شرح صحيح البخاري (الجزء ١٤ صفحة ٢٧٤). 

إلى غير ذلك من أخبار ونقولات تاريخية، التي يُمكن دعوى ضرورة الجواز. 

النتيجة النهائية: 

تجوز المبارزة بغير إذن المعصوم إذا كان أصل القتال بإذنه، ولا يشترط إذن المعصوم عليه السلام. نعم، الأولى ذلك بلا شك أخذ إذن المعصوم في المبارزة أولاً وأفضل لكنه ليس بلازم. 

تبقى مسألة أخرى: إذا ندب المعصوم إلى المبارزة، فهل تجب أو تستحب؟ يأتي عليه الكلام، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

00:00

25

2025
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 93 الجلسة

25

مايو | 2025
  • الكتاب: كتاب الجهاد
  • الجزء

    01

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
93 الجلسة