محاضرات أخلاقية في حسينية الإمام الرضا عليه السلام
شیخ الدقاق

79 - ما هو سر النجاح في الدنيا والآخرة؟

محاضرات أخلاقية في حسينية الإمام الرضا عليه السلام

  • الكتاب: محاضرات أخلاقية في حسينية الإمام الرضا عليه السلام
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    200

25

2025 | مايو

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

ما هو سر النجاح في الدنيا والآخرة؟

 

قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم وحديثه المجيد: بسم الله الرحمن الرحيم: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) آمنا بالله، صدق الله العلي العظيم.

سؤال يطرح نفسه: ما هو سر النجاح في الدنيا والآخرة؟ ما هي الخطوة التي إذا قام بها المسلم أفلح في الدنيا والآخرة؟ 

الحديث عن "سر الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة".

البعض يقول: "يا شيخنا، أنا أصلي، أصوم، أحج، أزكي، أخمس، لكني خائف! ربما يوم القيامة أدخل النار! كيف أضمن دخول الجنة وعدم دخول النار؟" هذا بالنسبة إلى الحياة الأخرى. وكذلك بالنسبة إلى الحياة الدنيا: كيف أضمن أن لا يكون لي مشاكل بين الناس؟ بعض الناس يصاب بمشكلة اليوم، وغداً يصاب بأخرى، وبعد غد بثالثة! كلما خرج من مشكلة وقع في مشكلة أخرى!. 

فما هي الخطوة التي لو واظب عليها أسعفته وأنقذته من شر هذه المشاكل في الدنيا والآخرة؟ بحق محمد وعترته الطاهرة!

هل هذه الخطوة هي المواظبة على الصلاة في أول وقتها؟ هل هذه الخطوة هي دوام الصدق؟ خطوة واحدة! اختصر لنا الحديث في كلمة واحدة! هذه الكلمة، وهذه الخطوة هي مفتاح المفاتيح! مفتاح مفاتيح الفلاح! هذا المفتاح الآن موجود: "مستر كي"! أي هذا مفتاح يفتح كل الأقفال! إذا عندك "مستر كي" – وهذه في الفنادق – هذه البطاقة تفتح جميع غرف الفندق! ليست خاصة بغرفة دون غرفة! 

هناك أيضا خطوة "مستر كي"! هذه الخطوة مفتاح مفاتيح الفلاح والنجاح! والذي يفتقد هذه الخطوة، ربما تتدمر حياته ويؤول أمره إلى قعر الجحيم! والعياذ بالله! يا أخي، يا أخي! ما هذه الخطوة؟ شوقتنا! الكثير من الدعايات سويت لها!! إنها: "المراقبة الدائمة"! كلمتين: مراقبة ودائمة! 

أولا: ما المراد بالمراقبة؟ وما الفرق بين المراقبة والمحاسبة؟ 

الجواب: لحاظ النفس قبل قولها أو فعلها أو سكونها يقال له مراقبة، ولحاظ النفس بعد قولها وسلوكها يقال له محاسبة.

إذن الفرق بين المراقبة وبين المحاسبة أن المراقبة قبل العمل، والمحاسبة بعد العمل، يشتركان في أمر واحد، وهو لحاظ النفس. 

مثال على ذلك: الآن وأنا أتكلم معكم، قبل أن أتكلم وأثناء كلامي ألحظ نفسي: حينما أتفوه بهذه الكلمات لرضا الله فقط وفقط؟ أم أتفوه بها لطلب رضاكم؟ هل أتفوه بها لأداء التكليف الشرعي الإلهي، أم للترويح عن نفسي؟ النفس تحتاج إلى مراقبة، إلى متابعة قبل العمل، قبل السلوك، قبل القول! 

لكن إذا جن الليل قبل المنام، أسترجع شريط اليوم: يا فلان! أنت حينما تكلمت، لعله في البداية كان كلامك لله، لكن لما رأيت بسمة فلان أو فلان يهز رأسه، أكملت كلامك لكي ترضيه لا لكي ترضي الله! تقول: أستغفر الله ربي! وهذه هي المحاسبة. 

سؤال: أيهما أهم؟ المراقبة أم المحاسبة؟ أفتونا مأجورين! 

جواب: المراقبة أهم! لأن المراقبة أمر وقائي، والمحاسبة أمر علاجي، والوقاية خير من العلاج! وترك الذنب ولا الاستغفار! 

مثلا: إحنا جالسين في مجلس، والمجلس حلو وسوالف! لا أذكر اسم فلان! ألتفت إلى نفسي: أخشى أذكر اسم فلان فيقصون فيه! إما أنا أقص فيه، أو ذاك يقص فيه، ويصير فاكهة المجلس! في رقبتي وفي عنقي! الأفضل أن لا أذكر اسمه! أعوذد بنفسي أن لا أذكر الأسماء! أعود نفسي أن لا أذكر الأسماء! أحيانا أنت تريد أن تذكر فلانا بخير، تعرف أن هذا الجالس يركز على سلبياته وسيئاته، فتتجنب ذكر اسمه حتى لا يقعوا في الغيبة! 

بعض الناس ما يحضر ماذا يقول، "ما يعرف يتحدث!" من يراك يرمي عليك كلاماً جارحا يقتلك! جرح اللسان أشد من وقع السنان! ينحرك من القفا، ثم يقول: "سامحنا يا أخوك! أبري ذمتنا يا أخوك!" بعد شنو؟ بعد أن نحرته من القفا! يا أخي، يا أخي! يسمونه اللباقة! اللباقة حسن التصرف وحسن الكلام! هذا نوع من الأدب الرفيع! 

يا أخي، يا أخي! في الرواية: "رحم الله امرئ نطق فغنم، أو سكت فسلم!" علم نفسك! راقب نفسك: في كلامك، في نظراتك، في سكناتك، في تصرفاتك! مع زوجتك، مع أولادك، مع جيرانك، مع إخوانك، مع طلابك، مع أساتذتك، مع جميع البشر! فلتكن عندك مراقبة دائمة! 

الآن عرفنا المفردة الأولى: المراقبة! تريد أقربها إليك؟ المراقبة! أيام ما كنا صغارا كانوا يقولون لنا: هششش لا تتكلم "حتى الجدار فيه مسجلة! تسجل! لا تتكلم!" فيه جواسيس! فيه جواسيس! تضبط كلامك! إذا أنت في مكان وتتوقع أن فيه جواسيس أو يسجلون كلامك، تحسب كلامك! 

الله عز وجل يقول: "وما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" (ق: 18). منكر ونكير! ملكان يسجلان! لكن المشكلة تنتابنا الغفلة! ينتابنا النسيان! ننسى الشيطان! يأتي وقت ننسى أن هناك إبليس وأعوان إبليس! إبليس والدنيا ونفسي والهوى! كيف الخلاص؟ وكلهم أعدائي! 

يا أخي، يا أخي! في يوم من الأيام، أحد العلماء حورب! كسر خاطري! عور قلبي! ذهبت إليه، قلت له: "عندي كلمة لوجه الله!" قال: "تفضل!" قلت له: "لماذا قمت بكذا وكذا، ولم تقم بكذا وكذا؟" حينما أجاب، بهرني، واكتشفت أن الرجل قد روض نفسه وزكاها، وكان كلما هم بكلمة، يراقبها! في الرواية: "إذا هممت بأمر فتدبر عاقبته!".

رحمة الله على صاحب الميزان آخر عمره، سأله سؤالًا، وإذا بـ "ترجعف" الفيديو والإكليب موجود. سيدنا النصيحة في كلمة واحدة، خلاصة عمرك: قال مراقبت. مراقبت! إلى هنا عرفنا المراقبة.

النقطة الثانية: الدوام، دوام المراقبة.

أتذكر أنه كان أحد الأحبة والأعزة يقول لي، شيخنا، حينما كنا نسكن في المدرسة، عزاب كان يقول لي: شيخنا، أنا أقطع أن جميع الطلبة الساكنين في المدرسة قد صلوا صلاة الليل ولو لمرة واحدة، ولكن قل لي، من منهم واظب عليها؟ في واحد يصلي صلاة الليل مرة، وواحد يصلي صلاة الليل كل ليلة، في واحد يتصدق مرة، وفي واحد يتصدق كل مرة، الدوام والاستمرار مهم.

الآن، يمكن واحد يسمع المحاضرة والكلام ويتأثر، يخرج من الحسينية يراقب نفسه، لا أنظر إلى المؤمن نظرة إخافة، أنظر إليه نظرة تدخل السرور على قلبه، ما أتكلم كلمة جارحة، أتكلم بكلمة فرحة، ما أغضب عليه أبتسم إليه، لكن هذا مؤقت بس ينتهي الشحن، يوم ثاني، يوم ثالث ينسى.

الذي يفلح في الدنيا والآخرة هو الذي عنده مراقبة دائمة، دائمًا يراقب كلامه وسلوكه وعمله، إذا دائمًا أراقب عملي، وأن يكون العمل لله لا للنفس، هذا ما يقع في المشاكل/ يقول الإمام الخميني رضوان الله عليه: لو اجتمعت الأنبياء كلهم في قرية واحدة، لما اختلفوا؛ لأن كل غرضهم الله عز وجل.

إذن، درس اليوم مهم جدًا، لو واحد ما يسمع أي محاضرة، بس يسمع هذه الفكرة ويطبقها، وهي المراقبة الدائمة، جاء واحد لشيخ بهجت، قال: انصحني. نصح يوم ثاني جاء للشيخ بهجت، شيخ انصحني: قال: أولاً، أنت اعمل بالنصيحة السابقة، ثم أعطيك النصيحة التالية. قال: هاي النصيحة سهلة، أعطني غيرها. قال: سهلة. تريد أخبرك ماذا عملت؟!

الدوام مهم، أكثر الناس يقومون بالأعمال ولو لمرة واحدة؛ المهم هو الاستمرار والدوام، هذا الشخص الذي دائمًا يراقب نفسه، يراقب تصرفاته، قبل ما يتكلم، ينتقي الكلمات، قبل ما يقدم على المعاملة، أراقب. يسأل: معاملة ربوية أو معاملة غير ربوية؟ هذه المعاملة لدينه أو ضد دينه؟

الذي يمتلك المراقبة الدائمة، هذا يصبح معصومًا مع مرور الزمن، لأنه دائمًا في مراقبة لنفسه، يعني ناصب كاميرات مراقبة على نفسه، وهذه الكاميرات ليست منتظرة الفعل يقع حتى تلقت، لا، هذه كاميرات رادار الضمير، يضع رادارًا على قلبه، على ضميره، لا تخرج من فمك هذه الكلمة فتؤذي أخاك، لا تقم بهذا التصرف فتوهن أخاك.

إذا كل واحد صارت عنده رقابة دائمة، يراقب نفسه، يعمل الواجبات ويترك المحرمات، مع مرور الزمن هذا يصبح معصومًا، يصبح لديه عصمة عملية، يعني في مقام الأعمال، يعصم من الزلل والذنب والخطأ، هذا الذي عنده مراقبة دائمة، يصبح محبوبًا بين الناس. ما يؤذي أحدًا، يفلح في الدنيا وبعد، ويفلح في الآخرة.

تريد أمثلة للمراقبة؟

يومًا من الأيام، كان الشيخ عباس القمي، صاحب كتاب مفاتيح الجنان، يصلي صلاة الظهر في مسجد گوهرشاد بحرم الإمام الرضا، رزقنا الله وإياكم الوصول والزيارة. في أثناء فرض الظهر، سمع صوتًا من بعيد: "يا الله، إن الله مع الصابرين"، يعني يطلب منه أن يطيل الركوع، هذا الصوت كان من بعيد، فادرك الشيخ عباس القمي أن صفوف صلاة الجماعة طويلة وقد امتدت، أراد أن يُسلي صلاة العصر، خاف على نفسه: هل هذه صلاة الجماعة لله أو لا؟ هذه الصفوف الطويلة والشهرة أغرته.

يقولون، أنهى الشيخ عباس القمي صلاة الظهر، أمسك بعباءته وخرج من المسجد، قال له شيخنا: نصلي صلاة العصر، قال: اعذروني ولم يُصلي بهم صلاة العصر.

بعد، يا أخي، يا أخي، خني يا شيخ عباس القمي! هذا الرجل الإلهي، شيخ عباس القمي، كان عنده كتاب اسمه "منازل الآخرة" مطبوع، كتاب جميل، يعني المحطات والمنازل التي يمر بها الإنسان في الآخرة.

وكان هناك خطيب في حرم السيدة المعصومة، يصعد المنبر ويحدث من كتاب "منازل الآخرة". كان والد الشيخ عباس القمي يحضر تحت منبر هذا الشيخ. يومًا من الأيام، التفت والد الشيخ عباس القمي إلى الشيخ عباس القمي، قال: يا ولدي، متى تصير عالمًا مثل هذا العالم الذي يصعد المنبر في حرم المعصومة ويحدثنا بخوش حديث؟ فماذا قال الشيخ عباس القمي؟ قال: ادعُ لي يا والدي بالتوفيق، ادعُ لي بالخير.

واحد غيره، يقول: يا أبوي، أنت ما تعرف مقام شكلك أصلاً هذا الخطيب يحدثك من الكتاب الذي كتبته، المؤمن يخاف على نفسه، في رقابة دائمة.

إن واظبنا على الرقابة الدائمة، وصلنا إلى خطوة وسر الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة.

جعلنا الله جميعًا من أهل الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة، بحق محمد وآله الطاهرين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

00:00

25

2025
| مايو
جلسات أخرى من هذه الدورة 81 الجلسة

25

مايو | 2025
  • الكتاب: محاضرات أخلاقية في حسينية الإمام الرضا عليه السلام
  • الجزء

    01

  • 200

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
81 الجلسة