بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

استحباب كون القتال بعد الزوال وصلاة الظهرين

استحباب كون القتال بعد الزوال وصلاة الظهرين، هذا مع الاختيار لا الاضطرار كما في "النهاية" للشيخ الطوسي الجزء الثاني صفحة 14، و"الغنية" للسيد ابن زهر الحلبي صفحة 200، و"تذكرة الفقهاء" للعلامة جزء 9 صفحة 84، و"الدروس الشرعية" للشهيد الأول الجزء الثاني صفحة 32، و"المبسوط" للشيخ الطوسي كتاب الجهاد حكم المبارزة الجزء الأول صفحة 556، و"المهذب" للقاضي ابن البراج الجزء الأول صفحة 299، و"السرائر" لابن إدريس الحلي الجزء الثاني صفحة 21.

والسر في ذلك: أن عند الزوال تفتح أبواب السماء وتنزل الرحمة والنصر، قال تعالى: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين"، وقد اختلف المفسرون في المراد بالصلاة الوسطى، فقال بعضهم إنها صلاة الظهر، وقال بعضهم إنها صلاة العصر، فهنا يوجد خلاف بين الخاصة والعامة في تشخيص صلاة الظهر أو العصر أي الصلاة الوسطى.

لكن في خصوص هذا المورد توجد رواية، وهي خبر يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "كان علي عليه السلام لا يقاتل حتى تزول الشمس، ويقول: تفتح أبواب السماء وتقبل الرحمة وينزل النصر، ويقول: هو أقرب إلى الليل، وأجدر أن يقل القتل ويرجع الطالب ويفلت المنهزم".

(الكافي للكليني الجزء الخامس صفحة 28، باب وصية رسول الله في السراية الحديث الخامس، تهذيب الأحكام الجزء السادس صفحة 173، وسائل الشيعة جزء 15 صفحة 63، باب 17 من أبواب جهاد العدو، الحديث الثاني).

وفي المروي عن سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام في طف كربلاء أنه ابتدأ بالقتال مع كفرة أهل الكوفة بعد الزوال والصلاة، ويستفاد ذلك من صلاته الظهر قبل بروزه للقتال، فأولًا صلى الظهرين ثم برز للقتال.

يراجع "بحار الأنوار" تاريخ الحسين عليه السلام باب 37 جزء 45 صفحة 21.

إذن الاستحباب لا يقتصر على كون القتال بعد الزوال، بل بعد صلاة الظهرين أيضًا، كما صرح باستحباب كون القتال بعد صلاة الظهرين غير واحد من الأعلام، ولعل ذلك لمخافة الاشتغال عن صلاة الظهرين.

يراجع "الدروس الشرعية" للشهيد الأول الجزء الثاني صفحة 30، "مسالك الأفهام" الجزء الثالث صفحة 27، "فوائد الشرائع" للمحقق الكركي جزء حدثان من موسوعة المحقق الكركي صفحة 69، "معالم الدين" لابن القطان الجزء الأول صفحة 289.

ويُكره الإغارة على الكفار ليلاً، وهو المراد من التبيت المصرح بكراهته في النهاية للشيخ الطوسي الجزء الثاني صفحة 14، والمحقق الحلي في المختصر النافع صفحة 102، والعلامة الحلي في "قواعد الأحكام" جزء الأول صفحة 486، و"تحرير الأحكام" الجزء الثاني صفحة 142، و"تذكرة الفقهاء" الجزء التاسع صفحة 84، و"منتهى المطلب" جزء 4 صفحة 89، و"الدروس الشرعية" للشهيد الأول في الجزء الثاني صفحة 30، و"الروضة البهية" للشهيد الثاني الجزء الثاني صفحة 394، وغيرها من الكتب كـ"الجامع للشرائع" ليحيى بن سعيد صفحة 236، و"اللمعة الدمشقية" للشهيد الأول صفحة 87، و"كشف الغطاء" للشيخ جعفر جزء الرابع صفحة 376.

إذن يكره الإغارة عليهم ليلًا، كما ذكر العلامة في "إرشاد الأذهان" الجزء الأول صفحة 344.

وهو المراد بالنزول عليهم ليلاً لخبر عباد بن صهيب قال: "سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: ما بيت رسول الله صلى الله عليه وآله عدواً قط ليلاً".

(الكافي للكليني الجزء الخامس صفحة 28، تهذيب الأحكام للطوسي الجزء السادس صفحة 174، وسائل الشيعة للحر العاملي الجزء 15 صفحة 73، باب 17 من أبواب جهاد العدو الحديث الأول).

وفي رواية الجمهور والعام وأهل السنة عن النبي صلى الله عليه وآله، كان إذا طرق العدو لم يغر حتى يصبح (مسند أحمد بن حنبل الجزء الثالث صفحة 136، "الموطأ" لمالك بن أنس الجزء الثاني صفحة 468، "صحيح البخاري" الجزء الرابع صفحة 5، "صحيح ابن حبان" جزء 11 صفحة 51، "الاستذكار" جزء 5 صفحة 142، "التمهيد" لابن عبدالبار الجزء الثاني صفحة 120).

والمراد بالطرق الوصول ليلاً، لذلك ورد في الفقه: يكره للمسافر أن يطرق أهله ليلاً، يعني لا يدخل على أهله في الليل، يعني ما يطرق الباب في الليل، فهنا الرواية كانت إذا طرق العدو لم يغر حتى يصبح، يعني إذا وصل ليلاً لا يغزوهم ولا يهجم عليهم ليلاً، بل ينتظر إلى الصباح.

خصوصًا في ذلك الزمان، في الليل الدامس قد يستلزم قتل النساء والأطفال ونحوهم كالشيخ الكبير ممن لا يجوز قتلهم.

إذن يستحب القتال بعد الزوال وصلاة الظهرين، هذا أفضل وقت، ويُكره في الليل، ولكن لا يكره في الصباح، أعني أول الصباح، يُكره في الصباح القريب من الزوال خشية الانشغال عن صلاة الظهرين، هذا في حالة الضرورة، وأما لو دعت الحاجة والضرورة إلى القتال ليلاً زالت الكراهة، ولعل منهما رواه الجمهور والعامة عن النبي صلى الله عليه وآله، من أنه شن الغارة على بني المصطلق ليلاً.

(مغني المحتاج الجزء الرابع صفحة 223).

وكذا يُكره القتال قبل الزوال إلا لحاجة كما صرح به غير واحد، كالعلامة الحلي في "التذكرة" جزء التاسع صفحة 84، والشهيد الأول في "الدروس" الجزء الثاني صفحة 32، والأردبيلي في "مجمع الفائدة والبرهان" الجزء السابع صفحة 454، وابن القطان في "معالم الدين" الجزء الأول صفحة 289.

ولعل المراد به خصوص ما قرب من الصباح إلى الزوال، لا مطلق الصباح.

والسر في ذلك: هو مخافة ذهاب الصلاة، وقد أثنى القرآن الكريم على النبي إذ قال: "وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تَبوَئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ"، وكان ذلك في غزوة بدر، فالنبي كان في الغدو قد خرج، الغدو يعني قبل صلاة الصباح، يعين مواضع القتال في غزوة بدر.

كما أن الله تبارك وتعالى أقسم بالمغيرات صبحًا (سورة العاديات آية 3)، مما يدل على الرجحان، كما جاء في رواية العامة أن النبي صلى الله عليه وآله إذا طرق العدو ليلاً لم يغير حتى يصبح، يعني كان يغير عليهم صباحًا لا ليلاً.

ويُكره أن يُعرقب الدابة وإن وقفت به أو أشرف على القتال.

كما في "النهاية" للشيخ الطوسي الجزء الثاني صفحة أربعة عشر. والمحقق الحلي في "المختصر النافع" صفحة مئة واثني عشر. والعلامة في "تذكرة الفقهاء" جزء تسعة صفحة أربعة وثمانين. "منتهى المطلب" جزء أربعة عشر صفحة مئة وسبعة عشر. الشهيد الأول في "اللمعة الدمشقية" صفحة سبعة وثمانين. فاضل المقداد السيوري في "التنقيح الرائع" لمختصر الشرائع الجزء الأول صفحة خمسمائة واثنين وثمانين. محقق الكركي في "جامع المقاصد" جزء الثاني صفحة ثلاثمائة وستة وثمانين. والشهيد الثاني في "المسالك" الجزء الثاني صفحة سبعة وعشرين. وغيرها من الكتب.

كما ذكر ذلك العلامة الحلي في "تحرير الأحكام" الجزء الثاني صفحة مائة وستة وأربعين. والشهيد الأول في "الدروس الشرعية" الجزء الثاني صفحة اثنين وثلاثين. والمحقق الآراكي في "مجمع الفائدة والبرهان" الجزء السابع صفحة أربعمائة وأربعة وخمسين.

سؤال: ما المراد بعرقبة الدابة؟

العرقوب هو عرق ينقطع إذا قُطع يؤدي إلى الموت، وعند الإنسان في الرقبة، وفي الفرس أسفل الركبة، فإذا ضُرب الدابة أسفل الركبتين، وقعت الدابة إذ قُطعت قوائمها، وهذا ما فعله عمر بن عبد ود العامري على نقل حينما اشتاح واجتاز بفرسه الخندق، فعرقب فرسه أي قطع قوائمه وسقط، هذا يؤدي إلى موت الفرس وموت الدابة.

يُكره للمقاتل أن يعرقب الدابة إلا إذا اقتضت المصلحة ذلك، كان يظهر قوته وشوكته أمام الكفار كما فعل ذلك الشهيد جعفر بن أبي طالب ذي الجناحين في غزوة مؤتة، على ما صرح به غير واحد، كما في "التنقيح الرائع"، و"الدروس الشرعية"، و"مسالك الأفهام"، و"الروضة البهية"، ذكرنا هذه المصادر و"رياض المسائل" للسيد الطباطبائي جزء السابع صفحة تسعة وسبعين.

جاء في خبر السكوني، قال: مروي عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام قال: لما كان يوم مؤتة، كان جعفر بن أبي طالب على فرس. فلما التقوا نزل عن فرسه فعرقبها بالسيف، فكان أول من عرقب في الإسلام.

(الكافي للكليني الجزء الخامس صفحة تسعة وأربعين، "المحاسن" للبرقي صفحة ستمائة وأربعة وثلاثين، الحديث مائة وسبعة وعشرين، "وسائل الشيعة" للحر العاملي جزء أحد عشر صفحة خمسمائة وثلاثة وأربعين).

ورواه العلامة الحلي في "منتهى المطلب" عن جعفر عن أبيه، لإمام الباقر، قال: أول من عرقب الفرس في سبيل الله جعفر بن أبي طالب ذو الجناحين عرقب فرسه. (منتهى المطلب الجزء أربعة عشر صفحة مائة وسبعة عشر)، لكن في الروايات رواية عن الإمام الصادق.

ولو تمكن من ذبح الفرس كان أفضل من عرقبتها، كما صرح به غير واحد كالشهيد الأول في "الدروس" الجزء الثاني صفحة اثنين وثلاثين، والشهيد الثاني في "المسالك" الجزء الثالث صفحة سبعة وعشرين.

لخبر السكوني، على ما في "منتهى المطلب" عن جعفر عن أبيه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا حرنت على أحدكم دابته، يعني إذا قامت في أرض العدو في سبيل الله، ذبحها ولا يعرقبها.

والموجود في "الكافي" عن السكوني عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا حرنت على أحدكم دابته، يعني أقامت في أرض العدو أو في سبيل الله، فليذبحها ولا يعرقبها.

(الكافي للكليني الجزء الخامس صفحة تسعة وأربعين، "تهذيب الأحكام" الجزء السادس صفحة مائة وثلاثة وسبعين، "وسائل الشيعة" باب اثنين وخمسين من أبواب أحكام الدواب الحديث الأول جزء أحد عشر صفحة خمسمائة وثلاثة وأربعين).

ومن الغريب ما ذكره العلامة في "منتهى المطلب" من دعوى نسخ الخبر الأول بالخبر الثاني.

(منتهى المطلب الجزء أربعة وعشرين صفحة مائة وسبع وعشرين).

وجه الغرابة أن هذا الخبر ذكره العلامة في "المنتهى" ونسبه للإمام الباقر، والموجود في "الكافي" هو خصوص الخبر الثاني عن الإمام الصادق عليه السلام، فكيف تتم دعوى النسخ مع أنه يوجد خبر واحد؟!

نعم كان مقتضى النهي عن العرقبة هو ماذا؟ التحريم لا الكراهة، فما هو واجب حمل النهي على الكراهة لعله لوضوح قاعدة الناس مسلطون على أموالهم، والدابة والفرس من أمواله فيجوز له أن يقتلها، يجوز له أن يعرقبها فيحمل النهي عن الكراهة على الكراهة.

قال المحقق الكركي في "جامع المقاصد": وأما عدم التحريم فلأن الناس مسلطون على أموالهم. فإن قيل: يُحرم تعذيب الدابة وعدم إطعامها وسقيها وتحميلها فوق الطاقة، فكيف جازت العرقبة؟ قلنا حال الحرب مخالف لغيره. واتلاف الدابة وإضعافها أمر مطلوب، لأن إبقاءها بحالها ربما أدى إلى استعانة الكفار بها.

(جامع المقاصد الجزء الثالث صفحة ثلاثمائة وستة وثمانين).

وهذا ما ورد: إذا حرنت الدابة، يعني ماذا؟ حرنت؟ باصطلاحنا زعلت وفرت وذهبت إلى أرض العدو، ربما يستفيدون منها.

قال الفاضل المقداد السيوري في "التنقيح": إنما قلنا بكراهته لأنه يؤول إلى هلاكها، ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن قتل الحيوان لغير أكله.

(تنقيح رائع، بمختصر الشرائع جزء واحد صفحة خمسمائة وثلاثة وثمانين).

الرواية موجودة أيضًا، وهذا الكلام موجود في "المبسوط" للشيخ الطوسي جزء الثالث صفحة ثمانية وثمانين. "المجموع" جزء أربعة صفحة مائتين وثمانية وستين. "المغني" لابن قدامة الجزء العاشر صفحة مائة وأربعة وستين. "الشرح الكبير" الجزء العاشر صفحة مائة وثمانية وسبعين. "كشاف القناع" الجزء الرابع صفحة مائة وسبعة. "أحكام القرآن" لابن العربي جزء ثاني صفحة ستة وثلاثين. هذا ابن العربي غير ابن العربي المعروف في العرفان.

الخلاصة:

تجوز عرقبة الدابة لأن الناس مسلطون على أموالهم،  فيحمل النهي على الكراهة. فالذي يدل على أصل الجواز عموم الناس مسلطون على أموالهم. الرواية موجودة في "بحار الأنوار" الجزء الثاني صفحة مائة واثنين وسبعين. "عوالي اللئالي" لابن أبي جمهور الأحسائي الجزء الأول صفحة مائة واثنين وعشرين. وإن الدواب مخلوق للناس يفعلون بها كيف شاؤوا، ونحو ذلك. وبعد يدل عليها فعل جعفر بن أبي طالب، لكن ليس نفس الفعل، عدم إنكار النبي له، هذا هو الإمضاء.

قد يناقش بأن عرقبة الناقة ظلم قبيح.

ويدفع ذلك أن الشارع إذا أجازه ارتفع القبح، فهذا حاله حال الذبح، وإشعار الناقة مما يجوز شرعًا.

قد يقال: إن المنساق دابة المسلم، أما دابة الكافر فلا كراهة في تعرق بها حال الحرب أو إضعافهم، ومقدمة لقتل راكبها وغير ذلك، كما صرح به الكركي في "جامع المقاصد" الجزء الثالث صفحة مائتين وسبعة وثمانين والثلاثمائة وسبعة وثمانين، والشهيد الثاني في "الروضة البهية" الجزء الثاني صفحة ثلاثمائة وأربعة وتسعين، و"مسالك الأفهام" للجزء الثالث صفحة سبعة وعشرين.

بل هو أولى من قتل الصبيان، وقد عقر حنضل بن الراهب فرس أبي سفيان يوم أحد فرمت به فخلصه ابن شعوب.

(معرفة السنن والآثار جزء سبعة صفحة ستة وعشرين، تاريخ دنيا جزء ثلاثة وعشرين صفحة أربعمائة واثنين وأربعين، "سنن البيهقي" الجزء 9 صفحة 87، "المغني" لابن قدامه الجزء العاشر ص 507، "الشرح الكبير" الجزء العاشر ص 392).

وكيف كان الخلاصة: يجوز عقر الناقة، ويجوز عرقبة الدابة، لكنه يكره ذلك، ولكن لو اقتضت الضرورة ودعت الحاجة إلى عرقبتها في الحرب، فإن الكراهة ترتفع حينئذٍ والله العالم.

هذا تمام الكلام في استحباب القتال والسنن القتال، يبقى أنه هل تجوز المبارزة من دون إذن الإمام عليه السلام أم لا؟

يأتي عليها الكلام وصلى الله على محمد وآله الطاهرين