المحاضرات

05
يناير | 2025أهمية دراسة سيرة الأئمة (عليه السلام)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.
العنوان: أهمية دراسة سيرة الأئمة (ع)
جاء في الرواية الشريفة عن سيدنا ومولانا محمد بن علي الباقر صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: "لا يقبل عمل إلا بمعرفة، ولا معرفة إلا بعمل"، صدق سيدنا ومولانا باقر علوم أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام.
تحية طيبة لكم، أبارك لكم جميعًا ولادة الإمام الباقر والإمام الهادي صلوات الله وسلامه عليهما، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا لزيارتهما في الدنيا، وأن يرزقنا شفاعتهما في جنان الخلد والآخرة.
سؤال يطرح نفسه: ما هو المطلوب أولًا في الإسلام: هل العلم أو العمل؟
العلم والعمل كلاهما مطلوبان.
العلم والمعرفة كلاهما مطلوبان، لكن الإسلام الكريم أول ما يطلب هو العلم أو المعرفة.
والجواب: الإسلام أول ما يطلب هو العمل، لكنه لا يطلب أي عمل، وإنما يطلب خصوص العمل المتوقف على المعرفة الصحيحة، بل هذا هو الغرض من خلقت الإنسان، والدليل على ذلك قوله تبارك وتعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، الإمام عليه السلام في التفسير يقول: أي ليعرفون.
والعبادة عمل، لكن ليس أي عمل، بل العمل المقترن بمعرفة صحيحة.
لذلك، أول ما بدأ الإمام الباقر عليه السلام في الرواية بدأ بالعمل، فقال: "لا يقبل عمل إلا بمعرفة"، ثم قال: "ولا معرفة إلا بعمل".
لا يقبل عمل إلا بمعرفة لأن العمل يتوقف على المعرفة الصحيحة، والله عز وجل يثيب العبد على قدر معرفته وعلى قدر إخلاصه، ولا تقبل معرفة إلا بعمل، لأن العلم يهتف بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل كما يقول أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المرسلين.
أحببنا أن نبدأ بهذا الحديث عن الإمام الباقر صلوات الله وسلامه عليه في مستهل حديثنا عن ذكرى مولد الإمام الباقر والهادي عليهما السلام.
هذان الإمامان العظيمان عاشا في مفصل تاريخي مهم في الحياة الإسلامية، ولا بد من دراسة الظروف الاجتماعية والسياسية والدينية في زمن الإمام الباقر وفي زمن الإمام الهادي صلوات الله وسلامه عليهما، إذ أن آثار تلك الحقبة لا زلنا نعيش تداعياتها إلى يومنا الحاضر.
إذن، لا بد من دراسة هذه الحقبة التاريخية للمواءمة بين التاريخ والمعاصرة. وكما يقولون: من لا يفهم التاريخ لا يفهم السياسة.
لا بد من نظرة تاريخية تحليلية لزمن الإمام الباقر وزمن الإمام الهادي عليهما السلام، وسنرى إن شاء الله تعالى أننا في زماننا وحتى هذه اللحظة نعيش تداعيات الظروف السياسية والدينية التي عاشها هذان الإمامان.
وهذا يقودنا إلى دراسة سيرة الأئمة عليهم السلام وفقًا للنظرية التي تقول: أئمة أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف، وهي النظرية التي ذكرها الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر رضوان الله عليه.
فالأئمة هدفهم واحد وهو هداية الخلق إلى الله، لو سألك سائل: ما هو القرآن؟، ولماذا لا نجد في القرآن الكيمياء والفيزياء والطب والأحياء وسائر العلوم؟ أولم يقول القرآن إنه تبيان لكل شيء؟ "ونزلنا عليك القرآن تبيانًا لكل شيء"، فإذا كان القرآن تبيانًا لكل شيء، لماذا لا نجد فيه العلوم الحديثة من رياضيات وفيزياء وكيمياء وأحياء؟
الجواب: هو أن القرآن كتاب هداية. بسم الله الرحمن الرحيم، في سورة البقرة: "ذلك الكتاب لا ريب فيه، هدى للمتقين." إذن دور الأساسي للقرآن هو دور الهداية، القرآن الكريم ليس كتابًا علميًّا، فطرقه إلى الرياضيات والأحياء والفيزياء والكيمياء هو ليس كتاب من الكتب العلمية الذي من شأنها بيان التخصص العلمي، القرآن الكريم كتاب هداية أنزله الله عز وجل لهداية الخلق وإراءة الطريق إلى الله تبارك وتعالى.
هذا بالنسبة إلى القرآن الصامت.
فكذلك بالنسبة إلى القرآن الناطق وهم النبي محمد صلى الله عليه وآله وعترته الطاهرة.
إذن، الدور الأساسي للنبي والوصي وأئمة أهل البيت هو هداية الخلق إلى الله تبارك وتعالى، لكن هناك خطوات تفصيلية وأدوار مرحلية قام بها كل إمام في زمنه بحسب الظروف في ذلك الزمان.
ومن أصعب الأمور تقسيم التاريخ والحقبات التاريخية، لأن التاريخ ليس علمًا معيارياً كالرياضيات والفيزياء والكيمياء، وإنما هي أحداث تسرد، وبالتحليل يمكن تقسيمها إلى مراحل وحقب، ويمكن تقسيم أدوار ومراحل حياة أهل البيت عليهم السلام، الأئمة الاثني عشر إلى ثلاثة أدوار:
الدور الأول: هو بناء العقيدة وتثبيت عقائد الناس، وقام بها الأئمة الأربعة الأول: الإمام علي بن أبي طالب، والإمام الحسين، والإمام علي بن الحسين.
الدور الثاني: بناء المذهب وتثبيت المذهب الجعفري الإمامي الاثني عشر، أي ترسيخ الأحكام والتفريع عليها، وهذا قام به الأئمة الأربعة الأواسط: الإمام محمد الباقر، والإمام جعفر الصادق، والإمام موسى الكاظم، والإمام علي بن موسى الرضا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
لذلك، تجد أكثر الروايات الفقهية عندنا عن الأئمة الأربعة، أكثر الأئمة روايةً هو الإمام الصادق عليه السلام، ومن بعده الإمام الباقر عليه السلام، ومن بعده الإمام الكاظم عليه السلام، ومن بعده الإمام الرضا عليه السلام، هؤلاء الأئمة الأربعة: الباقر والصادق والكاظم والرضا، أكثر الروايات الفقهية رويت عنهم.
إذ تراجعوا وسائل الشيعة في تحصيل مسائل الشريعة وغيرها مثل جامع أحاديث الشيعة، تجد أكثر الروايات الشيعية في الأحكام عن الأئمة الأربعة الأواسط الذين كان دورهم دور تثبيت المذهب، لذلك سمي المذهب بالمذهب الجعفري نسبةً إلى الإمام جعفر بن محمد الصادق.
المرحلة الثالثة: هي مرحلة التمهيد لغيبة ولي الله الأعظم الإمام محمد بن الحسن القائم المهدي، وقام بها الأئمة الأربعة الأواخر: الإمام محمد الجواد، والإمام علي بن محمد الهادي، والإمام الحسن العسكري، فهؤلاء الأئمة الثلاثة كان دورهم دور التمهيد لغيبة الإمام المهدي الذي سيخرج في آخر الزمان ويملأ الأرض قسطًا وعدلاً كما ملئ الظلم وجبراً.
وقاموا بالتمهيد عبر عدة خطوات:
الخطوة الأولى اتخاذ طريقة المكاتب والتوقيع، فالمعروف والمألوف في روايات الأئمة المتقدمين أنها مشافهة من النبي إلى الإمام علي، إلى الأئمة المتأخرين إلى زمن الإمام الرضا صلوات الله وسلامه عليه، أكثر الروايات شفوية.
لكن نجد من بعد الإمام الكاظم عليه السلام والرضا نجد مثلاً الإمام الجواد، الإمام الهادي، الإمام العسكري، الروايات مكتوبة، يعني يسأل الإمام عليه السلام فيجيب كتابتهم، أي أن الإمام بدأ بالاحتجاب عن شيعته نظرًا لظروف التقي الشديدة في زمن الأئمة المتأخرين عليهم أفضل صلوات المرصلين، لذلك تجد في كتب الروايات صدر التوقيع أو صدر التوقيع من الناحية المقدسة، أي الكتابة من الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه.
ففي عهد الأئمة المتأخرين: الإمام الجواد والهادي والعسكري والمهدي، ساد نظام المكاتبات. الخطوة الثانية هي نظام الوكلاء، فأصبح الشيعة يرجعون إلى وكلاء الإمام عليه السلام، ونظام الوكلاء موجود من أيام الإمام الكاظم صلوات الله وسلامه عليه حتى حصلت ظاهرة الوقف، وأعمدة الوقف ثلاثة هم من وكلاء الإمام الكاظم عليه السلام، ولكن لما استشهد الإمام الكاظم ومات في السجن، وكانت لديهم الأموال ولديهم الأموال والجواري، أنكروا إمامة الإمام الرضا.
وهؤلاء أعمدة الوقف الثلاثة معروفون: علي بن أبي حمز البطائني، كان عنده ثلاثين ألف دينار، وعثمان بن عيسى الرواسي، وزياد بن مروان القند، هذا الرواسي، الله يرحمه، كان أستاذ الميرزا جواد التبريزي يرحمه الله، في مجلس الدرس كان يقول: هذا البطائني عنده ثلاثين ألف، وذاك عنده سبعين ألف دينار، وعنده أكثر. فبعث له الإمام الرضا عليه السلام أن جئني بالأموال والجواري، فقال: أما الأموال فقد أكلتها، وأما الجواري، ألف جاريتين، فقد تزوجتها، وأما موسى بن جعفر فهو لم يمت، وإنما قد غاب وهو المهدي المنتظر.
يقول الإمام الرضا عليه السلام: إن علي بن أبي حمز البطائني، لما وُضع في ملحدته وفي قبره، جاءه الملائكة وسألوه عن الأئمة، فوصل إلى أبي الكاظم وسكَت ولم يذكر الإمام الرضا، فضرب قبره ضربة فامتلأ قبره ناراً، أجارنا الله.
عموماً الأئمة عليهم السلام اتخذوا نظام الوكلاء بحيث إذا كان لديهم أسئلة أو حقوق شرعية يتواصلون مع الإمام عبر الوكيل.
والخطوة الثالثة هي اتخاذ نظام الممثلين الخاصين، نائب خاص كالسفراء الأربعة للإمام المهدي في عصر الغيبة الصغرى: عثمان بن سعيد العمري، ومحمد بن عثمان بن سعيد العمري، والحسين بن روح النوبختي، وعلي بن محمد السمري، لكن هذا السفير الأول، عثمان بن سعيد العمري، كان وكيلاً للإمام الهادي، ومن بعده للإمام العسكري، ومن بعده للمهدي، عجل الله تعالى فرجه الشريف، يعني كان ممثلاً خاصاً.
إذن، هذه الخطوات الثلاثة: اتخاذ نظام المكاتب والوكلاء والممثلين الخاصين، كانت للتمهيد لغيبة الإمام المهدي، عز وجل، تعالى، فرجه الشريف.
الإمام الباقر عليه السلام مر بمنعطف تاريخي مهم، والإمام الهادي عليه السلام مر أيضاً بمنعطف تاريخي مهم، لا زلنا نعيش ملابسات تلك الظروف إلى يومنا هذا.
ولنبدأ بظرف الإمام الباقر عليه السلام.
الإمام الباقر صلوات الله وسلامه عليه عاش في فترة نهاية الدولة الأموية، والدول كما يقول ابن خلدون في مقدمته، وهذه المقدمة عبارة عن علم اجتماع، يقول: الدول كالإنسان الحي، أول ما يبدأ الإنسان ضعيفًا، وهو طفل، وينتهي ضعيفًا وهو شيخ، ويشتد عوده ويقوى في أوج شبابه، وهو في سن الثلاثين والأربعين.
كذلك الدول: أي دولة أول ما تبدأ ضعيفة، فهي كالطفل الضعيف، ثم تصل إلى مرحلة تكون قوية جداً هذه مرحلة قوة الشباب. ثم يبدأ العد التنازلي وتضعف، تصل إلى خسة الضعف، إلى أن تنتهي وتزول، كالشيخ الكبير.
نحن بحسب نظام الخلافة عندنا ثلاث دول تدعي الإسلام: الأولى الدولة الأموية، بدأت بمعاوية بن أبي سفيان وانتهت بمروان بن محمد. وعندنا الدولة العباسية، بدأت بأبي العباس السفاح واسمه عبدالله، ثم جاء من بعده أخوه أبو جعفر المنصور واسمه أيضاً عبدالله، كلاهما اسمه عبدالله. أبو جعفر المنصور ما كان يتوقع أن تصل إليه الخلافة، لأن أبو العباس السفاح أبوه وأمه عباسيين.
أبو جعفر المنصور أبوه عباسي وأمه، وما كان عند العرب ابن الأمة يحكم، لكن مرض أبو العباس السفاح بالجذري ومات، فوصلت الخلافة إليه، وما كان يحلم أن تصل الخلافة إليه، وانتهت الدولة العباسية حينما دخل هولاكو بغداد، وقال لهم: ائتوني بالخليفة العباسي، فطواه في سجادة، وأمر الجنود أن يدوسوه، حتى خرج بطنه، ثم أُلقي في نهر دجلة.
والخلافة الثالثة التي تدعي الخلافة الإسلامية هي الدولة العثمانية. الدولة العثمانية في تركيا عمرت أكثر من الدولة العباسية. وهناك الآن محاولات لإعلان الخلافة الإسلامية وإعادتها، كما تقول هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية، في مذكراتها: قالت: لقد اتفقنا مع الرئيس محمد مرسي في مصر على إعلان الخلافة الإسلامية، وذاك الوقت كان الإخوان المسلمون مسيطرين على مصر وتونس وليبيا وتركيا وقطر، فالأجواء مهيأة، تقول هيلاري كلينتون: فتفاجأنا بدخول الجيش المصري على الخط وأفشل مشروع قيام الخلافة الإسلامية.
وهذا بحث مهم، هل ستعود هذه الخلافة الإسلامية أم لا؟
لأنه بعد سقوط الخلافة العثمانية في تركيا حدث اتجاهان متعاكسان: اتجاه يريد أن يعيد الخلافة الإسلامية. من أمثلة ذلك: حسن البنا، حيث أسس حركة الإخوان المسلمين، ومحمد تقى النبهاني، حيث أسس الحزب الإسلامي.
وفي مقابل ذلك، هناك اتجاه كان يرفض عودة الدولة الإسلامية، وكتب كتابًا شيخ علي عبدالرازق: "الإسلام وأصول الحكم" ويرفض قيام خلافة ودولة إسلامية، وقال: إن النبي صلى الله عليه وآله لم يؤسس دولة في المدينة، وإنما هو قام بدعوة إسلامية، فنحن دعاة ولا قضاة، نحن نقوم بالدعوة الإسلامية ولا نقوم بدولة إسلامية.
عموماً، هذه أمور مهمة للباحث في التاريخ السياسي المعاصر.
ما يهمنا هو بيان المنعطف التاريخي في عهد الإمام الباقر والصادق عليهما السلام، والمنعطف التاريخي في زمن الإمام الهادي صلوات الله وسلامه عليه.
أما الإمام الباقر، فعاش في نهاية الدولة الأموية، يعني فترة ضعف، فاستثمر الفرصة وأرسى دعائم مذهب أهل البيت عليهم السلام، وأسس الحوزة العلمية في مسجد النبي، وتبعه الإمام الصادق صلوات الله وسلامه عليهما، فاستثمر هذه الفرصة نزاع العباسيين والأمويين، لأن الحركة العباسية كانت دعوة موجودة في الرقة، ثم بعد ذلك نهضوا وحصلت معركة الزاب الكبير، وانتصر العباسيون على الأمويين.
فما هو هذا المنعطف التاريخي الخطير؟
الإمام الباقر عليه السلام بعد أن أرسى دعائم الحوزة العلمية ومذهب أهل البيت وقويت في المدينة، ثم جاء الإمام الصادق وقوى المذهب أكثر، حينما جاء أبو جعفر المنصور، وأحس بالخطر، طلب من مالك بن أنس كتابة الموطأ، لذلك، أول كتاب فقهي كتب عند أهل السنة هو موطأ الإمام مالك.
وأراد أبو جعفر المنصور أن يكون الإمام مالك بن أنس هو إمام أهل المدينة في مقابل الإمام الصادق صلوات الله وسلامه عليه، فتأسست المذاهب الأربعة لأهل السنة: الأول أبو حنيفة النعمان، الثاني مالك بن أنس، الثالث محمد بن إدريس الشافعي، والرابع أحمد بن حنبل. طبعاً، حصرت المذاهب بعد ذلك بعد مدة في هذه الأربعة.
وأغلب الأديان والمذاهب انتشرت بسببين ووسيطتين في كل العالم: العلماء والحكام.
في الرواية عن النبي أبي القاسم محمد: "صنفان من أمتي إن صلحا صلحت أمتي، وإن فسدا فسدت أمتي: العلماء والحكام".
إذا نراجع مراجعة تاريخية سنجد أثر الحكام والعلماء في نشر جميع المذاهب، حتى المذهب الشيعي الاثني عشري. الآن المذهب الأول في العالم هو المذهب الحنفي، لماذا؟ لأن الدولة العثمانية في تركيا قد تبنت مذهب أبي حنيفة النعمان، لذلك، تجد سنة تركيا أحناف، سنة العراق أحناف، سنة باكستان أحناف، سنة إيران أحناف، أكثر السنة في العالم حنفية، لأن الدولة العثمانية روجت للمذهب الحنفي وهو المذهب الأول في العالم.
المذهب الثاني في العالم هو المذهب المالكي، وهو موجود في دول الخليج عدا عمان والسعودية. بقية دول الخليج الأربع: البحرين، قطر، الكويت، الإمارات، المذهب الرسمي هو المالكي، بعد شمال إفريقيا المذهب الرسمي هو المالكي أيضاً. إذاً تذهب، إذا ذهبت إلى تونس، هناك المئذنة مربعة، يعني المئذنة ليست مستديرة وإنما رباعية، هذه إشارة إلى المذهب المالكي، تونس، الجزائر، المغرب، هذه دول مالكية.
المذهب الثالث في العالم هو المذهب الشافعي، تجده في مصر حيث الدولة الأيوبية، كانت الدولة الفاطمية في تونس وفي مصر، ثم جاءت الدولة الأيوبية وأسقطت الدولة الفاطمية، والدولة الفاطمية كانت شيعية إسماعيلية، فجاءت وروجوا للمذهب الشافعي، فانتشر المذهب الشافعي في مصر.
المذهب الرابع في العالم هو المذهب الشيعي الإمامي الجعفري الاثني عشر، وكان للدولة البويهية أثر كبير في نشر التشيع، وكان للدولة الصفوية أيضاً أثر كبير في نشر التشيع.
نعم، كان للعلماء مثل العلامة الحلي أثر كبير في تشييع إيران، كان للمحقق الكركي، صاحب جامع المقاصد، أثر كبير أيضًا في تشييع إيران، كان لعلماء البحرين وعلماء جبل عامل أثر كبير في نشر التشيع في إيران.
أما المذهب السادس في العالم فهو المذهب الحنبلي، مذهب أحمد بن حنبل، وتروج له المملكة العربية السعودية، وتقول: نحن على مذهب ابن تيمية وابن قيم الجوزية ومحمد بن عبد الوهاب، وهم قد جددوا المذهب على مذهب أحمد بن حنبل.
عُمومًا، نحن إلى اليوم نعيش إرهاصات تعيين أبي جعفر المنصور للمذهب الرسمي في الإسلام، إلى اليوم، الدولة العباسية بقيادة أبي جعفر المنصور أرادت حصر المذاهب في الفقه الرسمي الذي تتبناه الدولة في مقابل الفقه الحقيقي، مذهب أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، إذن، هذا منعطف تاريخي لا زلنا نعيش إرهاصاته في زماننا هذا.
المنعطف التاريخي الثاني هو زمن الإمام الهادي، وهو أن جعفر المتوكل قام بعملية خطيرة جدًا، وهو أنه جمع علماء الحشويات في مقابل الإمام الهادي، وأمرهم بكتابة المجاميع الحديثية، وهؤلاء كثير منهم أصبحوا شيوخًا أو شيوخ شيوخ الإمام البخاري.
يعني إذا تراجعنا فترة زمن مصنف ابن أبي شيبة وما ناظره، هؤلاء كتبوا الكتب في الفقه والحديث بأمر من جعفر المتوكل، وإذا تراجع الدولة العباسية، فالدولة العباسية لها زمن أول وزمن ثاني، وأكثر حاكمين حكمًا في الدولة العباسية هما أبو جعفر المنصور وجعفر المتوكل، وأبرز الخلفاء قوتين في الدولة العباسية: أبو جعفر المنصور، وهارون الرشيد، وجعفر المتوكل، جعفر المتوكل كان ناصبياً وحقوداً.
سؤال: الآن، إذا تلاحظ الحركات التكفيرية والمسلحة في زماننا هذا، مثل داعش وجبهة النصرة وتنظيم القاعدة وغيرها من الحركات المسلحة، وترغب بالعودة إلى تراثها الفكري، تجد تراثها الفكري في الأئمة الذين عيّنهم جعفر المتوكل في مقابل الإمام الهادي عليه السلام.
وبعبارة أخرى: إذا أراد الباحث أن يبحث عن الفكر التكفيري وما يجعل المسلم يكفر المسلم ويقتله، وما يعتبر مسلمًا، وما هي جذوره ومتى نشأ، يجد هذا المنبع في المتوكل العباسي.
إذاً نحن إلى هذا اليوم نعيش إرهاصات فترة زمن الإمام الهادي صلوات الله وسلامه عليه وما لاقاه من الأذى من المتوكل العباسي، وواقعيًا، هناك تصوير إذا تجد الزنزانة التي اعتقل فيها الإمام الهادي، والى الآن موجودة في سامراء، لا يمكنك أن تمشي قائمًا فيها، يجب أن تمشي في حالة الركوع. زنزانة مظلمة، وعلى الرغم من كل ذلك، بقي فكر الإمام العاشر علي بن محمد الهادي، وعلى الرغم من ذلك، بقي فكر الإمام الباقر عليه السلام.
وإلى يومنا هذا. إلى يومنا هذا، مذهب أهل البيت قوي ببركة الإمام الباقر والصادق عليهما السلام. ببركة الإمامين الباقرين، ومذهب أهل البيت قوي في مواجهة الحركات التكفيرية ببركات الإمام الهادي، لأنه بالطبع هذه قضية قديمة، وهي: هل القرآن حادث أم القرآن قديم؟ وكان أحمد بن حنبل يرى أن القرآن قديم وسجن، ثم جاء المعتزلة، وكان قبلهم الأشاعرة، ثم جاء المعتزلة بقيادة المأمون العباسي، وكان هو معتزلي، وأضعف الأشاعرة، وسار أخوه على مساره، حتى جاء المتوكل وأراد أن يرجع الأشاعرة وبقوة، فأرست دعائم المذهب الأشعري، اتبع ابن الحسن الأشعري صاحب كتاب مقالات الإسلاميين، وهو حفيد أبي موسى الأشعري صاحب التحكيم في صفين من أحفاده، وأضاف إلى ذلك الفكر التكفيري.
إذاً، الإمام الهادي صلوات الله وسلامه عليه لا تتعجب حينما وضعه المتوكل العباسي في خان الصعاليك، وتأذى الإمام وقال: "والله ما أنا قد صالح بأعظم مني"، فقال بعضهم: "أمهلوه ثلاثة أيام"، وفي اليوم الثالث هلك المتوكل العباسي.
نسأل الله عز وجل أن يوفقنا للسير على هدي الإمام الباقر والهادي عليهما السلام.
وأستميحكم عذرًا على الإطالة والاستطالة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين
تعليق